سامي كليب: تراجع أوباما في سورية… هزيمة محور ؟

يستطيع الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يقول أي شيء ليبرر تراجعه المؤقت عن العدوان على سورية. قد يختلق مبررات كثيرة كمثل القول أنه يريد استشارة الكونغرس رغم أنه دستورياً ليس بحاجة لذلك، لكن الأكيد أن هذا التراجع يؤرخ لواحدة من هزائم القرن لمحور الأطلسي وحلفائه مقابل محور روسيا- الصين –إيران –سورية وحزب الله.

ماذا في المعلومات ؟

أعدّت القيادة العسكرية الأميركية كل التفاصيل للعدوان. وضعت الخرائط. حددت بنك الأهداف. لا بل ثمة من يقول أن أوباما حدد أيضاً ساعة الصفر، والتي كان ينبغي أن تبدأ بمجرد خروج المفتشين الدوليين من دمشق. دفع ذلك مسلحي المعارضة السورية إلى الإعداد لهجوم متعدد المواقع من جبهات مختلفة خصوصاً من مناطق حدودية مع الأردن والعراق وتركيا.

مهدت واشنطن للعدوان بمحاولة منع ردة فعل، قالت بلسان أوباما ووزير خارجيته جون كيري وعدد من المسؤولين أن العملية لا تستهدف إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد، ولن تكون برية وإنما محدودة بالزمن، اعتقد أوباما أن ذلك كاف لتبريد التهديدات الإيرانية وحلحلة التصلب الروسي . كانت النتيجة أن إيران رفعت السقف أكثر وفلاديمير بوتين خرج علانية أكثر من مرة ، تعمد في آخرها إلى تسخيف الاتهامات بشأن السلاح الكيمائي.

لم يقتنع العالم بذرائع واشنطن، كل ما قيل عن أطفال ونساء قتلوا في الهجوم الكيمائي المزعوم بقي دون سند قانوني ولا أي حجة دامغة، تذكر العالم كذبة الأميركيين في العراق، وجور إسرائيل في غزة، هاج الرأي العام العالمي والعربي.

كل ذلك مهم ولكن ليس هذا الذي دفع أوباما إلى التراجع المؤقت أو ربما النهائي .

وصلت معلومات دقيقة لأميركا وبريطانيا وفرنسا تؤكد أن أسلحة استراتيجية مهمة باتت جاهزة في سورية، ولكن أيضا وربما عند حزب الله وعلى الأكيد عند الإيرانيين بغية الرد على العدوان وصلت تحذيرات اخرى تقول أن أي ضربة على سورية ستعتبر عدواناً وسيتم التعامل معها على هذا الأساس مهما كان حجمها، فالعدوان هو العدوان .

انتظرت واشنطن ان يعبر حزب الله عن موقف لتعرف ماذا سيفعل. تعمد الحزب عدم الإفصاح عن شيء. قلقت واشنطن وحلفاؤها أكثر . هم يعرفون أن الحزب حين يلجأ إلى الغموض فهذا يعني أن ما يعده خطير ، لا بل واخطر من أي وقت مضى ، فالسلاح الذي بات يملكه لا يشبه مطلقاً ما كان عنده في ترساناته التي هزمت اسرائيل.

وصلت معلومات أخرى تؤكد أن الجيش السوري اتخذ كل الاستعدادات للرد وربما بسلاح استراتيجي . ماذا كان سيمنع مثلاً من هطول الصواريخ على تركيا أو الأردن لو سمح البلدان بانطلاق الصواريخ أو تدفق المسلحين. ماذا كان سيمنع من هطول الصواريخ على اسرائيل ؟ هي كانت ستهطل حتما عليها.

وصلت معلومات أخيراً بأن مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة ستصاب بضربات عديدة لو حصل العدوان .. خصوصاً في الخليج والإقليم .

هذا في الجانب العسكري ، أما سياسياً، فأميركا فتحت البازار على مصراعيه، كثفت الاتصالات في الساعات الأخيرة في كل اتجاه، حصلت اتصالات كثيفة مع موسكو وحلفائها في مجلس الأمن وخارجه . قدمت لإيران عشرات العروض في أقل من يومين، كان الجواب في طهران تماماً كما في موسكو. لا صفقة إلا إذا أوقفتم العدوان، ولا صفقة إذا كان الهدف إسقاط النظام أو تغيير موازين القوى في سورية .

وحين جاءت الضربة من مجلس العموم البريطاني، شعر البعض أن صفعة كهذه تأتي من أبرز الحلفاء الأوروبيين لأميركا تعني الكثير، فهي من جهة تحذير جدي وتعرية لواشنطن، ومن جهة ثانية قد يكون خلفها صفقة معينة حول المستقبل . وحدها فرنسا بقيت على قارعة الطريق .لم يشركها أحد في المشاورات فوجدت نفسها شبه وحيدة في أوروبا تسير خلف واشنطن . قلب الرئيس فرانسوا هولاند المعادلة، فبدلاً من أن يكون دايفد كاميرون هو السائر خلف الكاوبوي الأميركي في عدوانه العتيد، تبين أن هولاند قد تولى هذا الأمر لسبب مجهول لا يمكن تفسيره إلا بالموقف السلبي جداً من إيران والرغبة في الحفاظ على أمن إسرائيل.

في المعلومات أن بعض حلفاء سورية وحزب الله في لبنان أوصلوا معلومات لفرنسا تفيد بأن كل مصالحهم سوف تتضرر اذا استمروا في السير خلف جنون اوباما. من غير المعروف ما إذا كانت هذه المعلومات أدت مبتغاها، لكن الأكيد أن مسارعة حلف الأطلسي للقول أنه لن يشارك بالحرب له مثل هذه الأسباب .

ماذا يفعل أوباما إذاً ؟

يقرر التراجع، ففي التقدم انتحار عسكري ، وفي التراجع خسارة ولكنها خسارة سياسية وبتكاليف أقل. كيف المخرج . طرحت عدة احتمالات . أولها ان تقول لجنة المراقبين انها لم تجد ما يشير إلى تورط الجيش السوري بالهجوم الكيمائي، وهذا يعني فضيحة فعلية لاميركا التي تؤكد ان لديها تقارير واضحة تؤكد هذا التورط، وثانيها أن يصل إلى اتفاق مع الروس وهذا يعني أنه يقر بهزيمته الاستراتيجية الدولية، وثالثها أن يجد مبرراً داخلياً، فوجد بدعة الكونغرس الأميركي. من سخريات القدر ان يلجأ اوباما إلى الكونغرس بينما كل الرؤوساء السابقين لم يلجأوا اليه في هكذا حالات إلا لابلاغه بقراراتهم.. لا يمكن أن يكون الكونغرس ذي الغالبية المؤيدة لاسرائيل محبا لسورية وشعبها وقيادتها، لكنه من المؤكد قلق على اسرائيل وما يمكن ان يصيبها.

مهما فعل اوباما بعد اليوم لن يؤثر. قد يعود الى منطق الكاوبوي ويشن عدوانا، ولكن حتى يقرر ذلك فامور كثيرة ستتغير على الارض. لا شك مثلا ان تراجعه احدث بلبلة لا بل احدث زلزالا في صفوف المسلحين والمعارضة. شعر هؤلاء ان اميركا تخلت عنهم. هذا يفترض ان الجيش السوري قد يكمل المعركة بوتيرة اسرع.

لا شك ايضا ان تراجع اوباما وضع الكثير من الحلفاء امام وضع لا يحسدون عليه. فماذا تفعل مثلا السعودية او تركيا الان وهما اللتان كانتا تعتقدان ان العدوان العسكري يعني اضعاف نظام الاسد او انهياره.

السؤال المحوري الآن، ماذا بعد ؟ معروف ان الكونغرس الاميركي يغلب عليه التاثير الاسرائيلي الصهيوني. نتذكر جميعا كيف وقف كل الكونغرس يصفق لبنيامين نتنياهو كما لم يصفق مطلقا لرئيس اميركي. فهل ينقذ الكونغرس الرئيس ويقرر عدم منحه الثقة للعدوان. هل يكون ذلك مخرجا لائقا للرجل الذي وعد العالم في مستهل ولايته الاولى بان عصر الغزوات ولى ، ووعده في ولايته الثانية بان عصر الحروب انتهى .

 

لكن هل يمكن الاطمئنان إلى أن العدوان قد انتهى، وان الاتجاه المقبل هو صوب الحوار وجنيف والصفقات السياسية، لا شيء مؤكد، فأوباما قال أن الخيار العسكري قد اتخذ .

 

لا شك أن السوريين ومحبيهم في الوطن العربي وكاتب هذا المقال منهم، سينامون قريري العيون هذه الليلة، ولا شك أن أوباما يشعر الليلة بغصة كبيرة في الحلق وحلفاءه يشعرون بالخذلان وخيبة الأمل ، لكن لا شك أيضاً أن بوتين يشرب هذه الليلة نخب أول انتصار استراتيجي كبير على من قال قبل أكثر من عامين أن الأسد يجب أن يرحل، فإذا بالدور الأميركي في المنطقة على مشارف الرحيل

اخبار الاتحاد