ستبقى فلسطين القضيّة المركزيّة

 

أثار تصريح رئيس وزراء العدو الأسبق إيهود باراك يوم الجمعة الماضي سجالاً في مسألة حل الدولتين. ومما يلفت الاهتمام في التصريح قوله: “إن الصهيونية من أكثر المشاريع القومية نجاحاً في القرن العشرين”.
وللأسف، فإن هذا الكلام ليس بعيداً عن الواقع لاعتبارات عديدة من أهمها أن المواجهة العربية والدولية “لمشروع وطن قومي لليهود في فلسطين” حسب وعد بلفور المشؤوم والظالم لم تحقق نجاحاً مقابل فشل عدد غير قليل من المشاريع القومية في القرن الماضي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشروع القومي العربي، أو حركات التحرر الوطني والاستقلال العربية حققت نجاحاً في القرن الماضي في مواجهة الاستعمار العثماني، والاستعمار الأوروبي، في حين أخفقت حتى اليوم في مواجهة المشروع الصهيوني. وما زاد الطين بلّة هو تغيير وجهة البندقية وحرف الصراع من عربي صهيوني، إلى عربي عربي، وعربي إسلامي، وإسلامي إسلامي.
والحديث يطول في المسألة “القومية” عند الصهاينة وغيرهم، وعند العرب أيضاً حيث الآلام والآمال مستمرة وتحضر في وقت واحد.
ولعل من أهم التحديات التي يواجهها المشروع القومي العربي، هو ما نجم من طروحات بعد كامب ديفيد وخاصة ما سُمي “بالقرار الوطني المستقل” وما اتصل بها من طروحات لبنان أولاً وغيرها.
“القرار الوطني المستقل” دائماً كان بمثابة طعنة في الظهر للقضايا العربية، وتحديداً للقضية المركزية فلسطين، هذا القرار الذي وصفه القائد التاريخي المؤسس حافظ الأسد في كلمته في المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي في 6/1/1985، “بأنه “بدعة” لن تنطلي على أحد وأهم ما يُراد منها تغطية طريق الاستسلام”.
القرار الوطني المستقل في الواقع العربي يهدد العرب والعروبة، ويعصف بالمشروع القومي العربي بل يلغيه من الوجود، عندئذ يكون هذا القرار طموحاً ومكسباً كبيراً لأعداء الشعب والوطن والأمة. وهو غالباً ما كان نتاج التدخلات الأطلسية.
إن القضية المركزية تتطلب صراعاً مستمراً باستمرار المشروع الصهيوني لا ينفع معه أبداً الانكفاء نحو المصلحة الوطنية المحدودة.
وفي الواقع العربي أثبتت الظروف عدم إمكان تحقيق مصلحة وطنية بعيداً عن المصلحة العربية. وباعتبار أن هذه القضية المركزية تفرض صراعاً مع المشروع الصهيوني، فإن هذا الصراع ليس محدوداً أبداً بالجغرافيا الوطنية، بل هو صراع جيوسياسي قومي عربي مع الإرهاب الصهيوني، وكما هو واضح، مع الإرهاب التكفيري أيضاً بحامله الصهيوأطلسي – الرجعي العربي. وبمطلق الأحوال لن يكون التطرف والتكفير قضية مركزية، لأن هذا يشكّل تمكيناً للمشروع الصهيوني في المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من التباينات الطارئة على الساحة العربية حول التعامل مع المسألة القومية واعتبار بعض الأقطار العربية أن القومية هي الوطنية نفسها، وأن للعروبة شأناً آخر، فإن مرور الأحداث وتوالي التحديات يؤكد تلاحم الوطنية مع العروبية مع القومية، وإن فصل عرى هذا التلاحم يضرّ بمصالح الأوطان وبقضايا الأمة.
ومهما حاولت بعض القوى والحركات والتيارات والأحزاب تغيير هذه الحقائق فلن تفلح أبداً. فمازال المشروع القومي العربي يواجه تحدياً أساسياً هو المشروع الصهيوني، ولذلك ستبقى فلسطين هي القضية المركزية، ولن نصل إلى حل عادل لها إلا وفق الطرح النضالي الذي طالما رددناه ونؤكد عليه وهو “السلام العادل والشامل”، حيث يقترن العادل فيه بالشامل.
هذا السلام العادل والشامل لا يُسهم أبداً في تحقيقه القرار الوطني المستقل، بل يجعله استسلاماً، وقد أكدت الأطماع الصهيونية المتصاعدة أن هذا السلام لا يُستجدى استجداء، بل تفرضه إرادة الصمود والمقاومة. وإن إلقاء البندقية أو تغيير اتجاهها هو خدمة للإرهاب الصهيوني، ولإرهاب التطرف والتكفير.
إن ما سمعناه بالأمس من اختيار لبعض القوى، ومن ثناء على هذا الاختيار لنهج آخر نحو التجدد والمرونة والانفتاح هو ليس من الخيارات الجديدة ولا الطارئة على مسار الصراع العربي الصهيوني، وهو ليس ببعيد عن إشكالية اتفاق أوسلو لا في الشكل ولا في المضمون، ولا في الهدف أيضاً. وهو جواز سفر كل تأشيرة عليه تتطلب تنازلاً إضافياً.
وإن هكذا خيارات، وهكذا نهج دائماً كان يترافق بالاستجابة لضغوطات خارجية، واليوم لضغوط قَطَرية تركية تحديداً، يبدو أن مصر والأردن والسعودية سترضى عنها.
وباعتبار قادة العدو يعتزّون منطلقين من الغرور باستمرار نجاح المشروع الصهيوني، فإن هذا النجاح المؤقت يستمر فقط مع التنازلات، لكنه بالمقابل سيفرض بالنتيجة مقاومة مستمرة وطنياً وعربياً وإسلامياً.
وعليه فإن القضية الفلسطينية ليست قضية وطنية بقدر ما هي قضية مركزية يحمل مصيرها الشعب العربي ولا يحق لأحد الاستفراد بها تحت أي ظرف.. هكذا كانت وستبقى.

اخبار الاتحاد