أمريكا.. فسّرت الإرهاب بعد الجهد بالإرهاب

بقلم: د. سليم الحربا

تتجه الأنظار إلى جنيف2 وكأنه ليلة قدر ستحل كل قضية وأمر، ولاينقص البعض إلا أن يعلن رغبته بأن يعلّق اثنتين وعشرين خرزة زرقاء في رقبة جنيف كي لايصاب بعين الحساد

 

 

ويُؤجّل أو يُرحّل إلى مابعد الثاني والعشرين من كانون الثاني المقبل أو يصاب بالسكتة القلبية نتيجة داء الوهابية الإرهابية وجرعاتها (الإنعاشية) بمصل أمريكي التي تشبه تحاميل البقاء الأمريكية لحمى الإرهاب السعودية لزيادة فترة الحضانة في مسابقة من سيربح الميدان ويعدّل كفة الميزان، وبعد تعليق ورقة النعية لما كان يسمى الجيش الحر وانتهاء مراسم العزاء،والتبشير الأمريكي في مواسم أعياد الميلاد بمسخ إرهابي جديد يعوّض ما فات وما مات ويحقق المعجزات وهو مايسمى الجبهة الإسلامية الوهابية الجذر والقاعدية العقيدة والسلوك والأمريكية التبنّي والتمنّي، ولاسيما أن هذا المولود يأتي والعالم ينتقل بقدميه وعقله ووعيه ومصلحته إلى الجانب المضيء من القرن الحادي والعشرين، وبعد ثلاث سنوات من الصمود الأسطوري السوري، وبعد انهيار وتفكك حلف العدوان، وبعد أن سقط ويتهاوى كل من رفع شعار إسقاط النظام، وبدأ الغرب والشرق يعيد التفكير والتدبير في عواقب دعم الإرهاب ومخاطره بكل مسمياته وأشكاله ولباسه ولبوسه وجلوده، وبعد الواقعية الوطنية السورية المركبة في الميدان العسكري والشعبي والسياسي الداخلي والإقليمي والدولي ومستجدات الاتفاق النووي الإيراني والكيماوي السوري وخريطة الطريق وتضاريسها ومحاورها التي تقول وتقود إلى مكافحة الإرهاب قبل وخلال وبعد جنيف2، وعلى الرغم من مؤشرات تغيير الخريطة المصالحية الدولية والإقليمية التي تقول شكلاً إن مرحلة التخلّي الأمريكي عن بني سعود وفسخ عقد زواج السفاح قد بدأت فإن واقع الحال يقول: إن العجوز الإرهابية الوهابية السعودية أصبحت عبئاً قانونياً وأخلاقياً على العالم وأمريكا، ولان كل زواجات أمريكا زواج مصلحة فقد حصل الطلاق النفسي بين أمريكا والسعودية بطلقتين الأولى بعد انكفاء العدوان الأمريكي على سورية، والثانية بعد الاتفاق مع إيران بشأن النووي والشاهد روسيا، وبقيت الطلقة الثالثة والبائنة هي عقد مؤتمر جنيف تحت عنوان: مكافحة الإرهاب، والسعودية تريد مؤخر مهرها وعهرها بأن تتبنى أمريكا المولود المسمى «الجبهة الإسلامية» في الوقت الذي راحت فيه العجوز الشمطاء السعودية الوهابية ترتمي في أحضان الصهاينة قبل انتهاء عدتها وقدوتها مجاهدات النكاح ونكاح المحارم بجوار حائط المبكى ونكاية بالمسجد الأقصى.

أولاً: السعودية وإعادة إنتاج الإرهاب

أصبح واضحاً أن السعودية هي ما تبقى من حواضن الإرهاب الوهابي التكفيري التدميري ومشيمته التي ترتبط بها الحبال السرية والعلنية لعصابات الإرهاب في المنطقة والعالم، وتقول التقارير: إن أكثر من 55% من جنسيات الإرهابيين في سورية هي سعودية، وإن بني سعود نظفوا سجونهم من السجناء المحكومين بتهم الإرهاب وأفرجوا عن أكثر من 1855 شخصاً من عتاة تنظيم القاعدة الإرهابي وأرسلوهم إلى سورية، وإن السعودية عوّضت الإرهابيين بالسلاح والمال والعنصر البشري ما زاد على دعم قطر وحكومة أردوغان وهي المسؤولة عن جرائم العصابات الإرهابية ومجازرها في خان العسل ومعلولا والقلمون وعدرا العمالية وغيرها، ومازالت تراهن وتدعم الإرهاب في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها، ومازالت ترفع شعار دعم الإرهاب وتعطيل مشروع الحل السياسي وذلك بنصيحة الصهاينة وموقفهم من اتفاق جنيف النووي بين إيران والدول الست عندما رفعوا شعار: (عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من اتفاق سيئ)، ولهذا يكرر سفير بني سعود في لندن بأن بني سعود سيمضون في دعم العصابات الإرهابية في سورية ولو منفردين ومن دون دعم الغرب، انطلاقاً من شعورهم بالخيبة وترجمة للحقد، ووهماً منهم أنهم قادرون على إعادة إنتاج الإرهاب الذي يحتضر، لهذا لجؤوا إلى تشكيل ما يسمى «الجبهة الإسلامية» التي تضم عدة تنظيمات إرهابية تكفيرية ترتبط عضوياً بجبهة النصرة وتتبع مباشرة لتنظيم القاعدة الإرهابية، ويلاحظ أن المسمى الوليد ينزع عنه صفة الانتماء الوطني السوري أي إنها مشروع إقليمي وعالمي «الجبهة الإسلامية»، وتضم في قياداتها خبراء وخبرات الظواهري والزرقاوي ونسقهم وأتباعهم وتجارب الطالبان، وتأخذ مرجعيتها العقائدية والمالية والتسليحية والبشرية وأوامر عملياتها من عش الوهابية في السعودية، وأن قضية انتمائها تم تحديده في ميثاقها وهو مبدأ (الحاكمية لله) ومبدأ الولاء والبراء أي إما أن تحكم بالشريعة أو تدفع الجزية، وقد أقر ميثاقها مبدأ الجهاد العالمي وبضرورة وجود (مهاجرين) قاتلوا أو يقاتلون في سورية وقالوا عنهم: (إنهم إخوة لنا ناصرونا في الجهاد وجهادهم مشكور ولهم مالنا وعليهم ما علينا)، وتالياً هم مواطنون من الدرجة الأولى، ومن هؤلاء المهاجرين من عملوا في تنظيم القاعدة ومقربون من ابن لادن والظواهري كأبي خالد السوري أحد مؤسسي (أحرار الشام) التابع لما يسمى الجبهة الإسلامية والذي توسط في الخلاف بين البغدادي والجولاني الذي وصفه الظواهري بأنه (خير من خبرنا وعرفنا).. إذاً هذا المنتج السعودي الإرهابي بأمبلاج معارضة مسلحة هو إرهابي الجذر والنشأة والسلوك والعقيدة والهدف.

ثانياً: أمريكا تتبنى وتتمنى الإرهاب الجديد

 

لم يجف التراب على قبر ما يسمى الجيش الحر، وقبل أن ينقشع الغبار من فرار قادته إلى أربع رياح الدول الداعمة للإرهاب حتى أعلنت أمريكا أنها ستتحاور مع ما يسمى الجبهة الإسلامية وذلك لتحقيق عدة أهداف:

1- لم يبق لما يسمى الائتلاف أي ذراع مسلحة فلابد أن يتم التبني والأبوة والعقد بينه وبين ذراع عسكرية إرهابية في الميدان لكيلا ينهار الائتلاف بانهيار ذراعه العسكرية التي كانت تسمى الجيش الحر.

2- لكيلا تكون هناك فضائح بعد أن سيطرت (الجبهة الإسلامية) على مستودعات وغرف عمليات وذخائر وأسلحة ما كان يسمى الجيش الحر في الشمال وتحديداً في باب الهوى وأطمة، وكلها أسلحة أمريكية متطورة وحديثة وفتاكة جداً وأغلبها أسلحة مضادة للدروع والطيران، في الوقت نفسه تعلن أمريكا أنها لم تسلح الإرهاب بأسلحة فتاكة.

3- محاولة أمريكية سعودية في سباق مع الوقت قبل مؤتمر جنيف لمحاولة إجراء عملية قيصرية لفصل جراحي بين جبهة النصرة ومكونات الجبهة الإسلامية وإغرائها بالمناصب والمكاسب، ولاسيما أن أمريكا تعرف لكنها لا تريد أن تعترف أن جبهة النصرة التي قالت عنها: إنها إرهابية مرتبطة عضوياً بما يسمى الجبهة الإسلامية وتنفذ وترتكب المجازر والجرائم يداً بيد وجنباً إلى جنب كما حصل في معلولا ومهين وصدد ومدينة عدرا العمالية التي اشترك في مجزرتها ما يسمى جيش الإسلام وأحرار الشام وكتيبة الفرقان (كلها من الأجانب) وجبهة النصرة.

4- محاولة أمريكية قديمة متجددة لإجراء غسيل تاريخي لبعض مكونات الإرهاب وتقديمه على أنه إرهاب معتدل أو مقبول ويمكن محاورته بالادعاء أنه سوري، علماً بأن الإرهاب وكل مسمياته يعترف ويعرّف عن نفسه بأنه لا يريد حرية ولا ديمقراطية ولا ينتمي إلى سورية أو الحالة الوطنية أو السياسية.

5- محاولة أمريكية سعودية للتهرب من إرادة الحل السياسي واستحقاقاته وعدم الانضواء تحت لواء مكافحة الإرهاب العالمي.

6- محاولة الترغيب والترهيب للدولة السورية وللعصابات الإرهابية بآن معاً للحصول على مكاسب وفرض مزيد من الضغط والشروط وإفشال الرؤية الروسية بتشكيل جبهة موحدة بين الحكومة السورية والمعارضة في وجه الإرهاب.

أخيراً

 

أمريكا تدرك جيداً أنها لا تستطيع أن تقنع أحداً بأن الإرهاب ينتمي إلى المعارضة الوطنية وبتصرفها وسلوكها لا تأتي بجديد بل ينطبق عليها القول: وفسّر الإرهاب بعد الجهد بالإرهاب. وتدرك جيداً أنها لن تستطيع تغيير موازين قوى في الميدان السوري إلا بزيادة أمد الأزمة وسفك مزيد من الدماء البريئة وارتكاب مزيد من المجازر لأن ما تبقى من الإرهاب لم ولن يستطيع تحقيق أي إنجازات في الميدان ولن تستطيع تغيير النتيجة الإستراتيجية في الوقت بدل الضائع، وقد أعلن أكثر من مسؤول أمريكي أن هناك أموراً مستجدة حصلت في المنطقة لا يمكن تجاهلها وترغمنا على إعادة النظر في حساباتنا وسياساتنا وعلينا أن نستخلص الدروس والنتائج والعبر، وقد قالوها لبندر: إن الاستقرار الهش في الخليج يمكن أن ينفجر في أي لحظة وقد قالها مايكل هايدن: إن مشروع إسقاط النظام في سورية سقط والغرب يعيد التفكير في عواقب سيناريوهات مقبلة، والغرب بدأ رحلة الهلع والحج الأمني والسياسي إلى سورية، وعلى الرغم من كل ذلك، الغريب أن نسمع من أمريكا وبعض ما تبقى من أبواق وأسطوانات وأوهام وأحاديث أصبحت من نوادر جحا، لكن لنحسن الظن مجازاً ولو مرة واحدة بأمريكا بأن كل ما نسمعه هو في سياق الكذب والنفاق والتكاذب والمناورة التي تتقنها لكن هذه المرة على بني سعود وائتلافهم علّها قشرة موز لتقودهم إلى جنيف2؟ ونتمنى ذلك وسنقول عندها: صدق الأمريكيون ولو كذبوا.

اخبار الاتحاد