حياة عيسى: البعث
رغم سنوات الحرب التي أرهقت الناس ورغم غياب الضمير عند كثير من الأشخاص، وأشير هنا إلى طبقة “التجار” الذين باتوا اللعنة المسلّطة على رقاب الشارع بكافة أطيافه دون أي رحمة، وإعلان ولائهم للدولار وتذبذباته واهتزازاته التي أصبحت الموسيقا الأكثر فخامة وطرباً عندهم، انطلقت ظاهرة الإحساس بالآخر بين الطبقات الأكثر تضرراً، بهدف إيجاد طرق وسبل لتحسين مستوى المعيشة ولو بشيء قليل، وتخفيف بعض الأعباء عن الأشخاص المنتمين إلى طبقة الدخل المحدود، الطبقة الأكثر تضرراً على الإطلاق أو الأكثر بؤساً في المرحلة الراهنة.
عبير مراد مهندسة مدنية شحذت طاقتها وجمعت بعضاً من نقودها لتقديم مشروع خدمي صغير لطالبات المدينة الجامعية، تهدف فيه لمساعدتهن على شراء الملابس الجميلة وبأسعار زهيدة نوعاً ما، من خلال “فوشي” المحل الذي جهزته بالألبسة المستعملة و”الجديدة” والمميّزة لتناسب أذواق تلك الشريحة من الفتيات اللواتي لا يملكن قدرة الشراء من محلات الماركات، حيث بيّنت عبير أن تكلفة شراء لباس كامل لفتاة، لا تتجاوز الـ10 آلاف ليرة أي بما يعادل قطعة واحدة من المحلات الأخرى في الأسواق المعروفة كالحمراء والصالحية وغيرها من الأسواق التي باتت موضة الشراء تقتصر فقط على النظر واللمس إن أمكن، في الوقت الذي أشارت عبير إلى أن هدفها الأسمى تقديم فرصة عمل لفتاة أو أكثر من طالبات الجامعة عبر محلها “فوشي”، ولتحقيق مكسب مادي تساعد به نفسها، مبينةً أن الربح المادي هو تحصيل حاصل وليس هدفاً، كون الخدمة مقدمة للشريحة الأكثر ضعفاً من حيث القوة الشرائية، لذلك الربح قليل جداً ولا يتجاوز الـ500 ليرة للقطعة المباعة.
وأكدت عبير الطالبة الحالمة بمستقبل أفضل لها ولبنات جيلها أن مشروعها “فوشي” بوابة صغيرة للانطلاق بمشروع أكبر في المرحلة القادمة، من خلال التكاتف والمساعدة من قبل طالبات الجامعة لتحقيق مستقبل أفضل والاعتماد على الذات. واعتبرته بوابة لمشاريع صغيرة من شأنها دعم الاقتصاد وتحقيق دخل معقول وتخفيف عبء كبير عن الأسر محدودة الدخل، آملةً من الجهات الحكومية الانتباه إلى مثل تلك المشاريع التي تندرج ضمن إطار المشاريع الصغيرة أو المتناهية الصغر، وتشجيع إطلاقها وتمويلها بما يلزم.