يتفاقم عدم الاستقرار السياسي في المملكة السعودية مع بدء الملك سلمان ابن عبد العزيز في إجراءات إصلاح الحكومة السعودية، حيث وضع قائمة طويلة من أفراد الأسرة في مواقع نفوذ، بالإضافة إلى زيادة سلطات ابنه، ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.
ومن شأن هذه الإجراءات أن تؤدي إلى صراعٍ مباشرٍ مع ولي العهد محمد بن نايف. ويبدو أنّ الصراع الداخلي المتوقّع على السلطة، والذي توقّعه العديد من المحللين، قد بدأ في النهاية. لكنّ المفاجأة الحقيقية هي أنّه يجري في حين أنّ الملك سلمان لا يزال حياً، وليس خلال فترة الخلافة. وقد فتحت المراسيم الملكية للملك سلمان، والتي عيّن من خلالها اثنين من أبنائه الآخرين، الأمير عبد العزيز والأمير خالد، وزيراً للدولة لشؤون الطاقة، وسفيراً في الولايات المتحدة، على التوالي، صندوق باندورا السعودي.
وفي الوقت نفسه، قرّر الملك سلمان إعادة صرف جميع البدلات والمزايا التي تمّ إلغاؤها في أيلول الماضي خلال انهيار أسعار النفط. إضافة إلى ذلك، ذكر الملك أنّه سيتم دفع راتب شهرين كعلاوة للعسكريين وأفراد الأمن الذين يقاتلون في اليمن. ويعد هذا الإجراء الأخير انقلاباً كاملاً على التدابير الاقتصادية المتخذة عام 2016، عندما عانت المملكة بشدة من الركود العالمي في أسعار النفط.
ويمكن أن يظهر الصراع على السلطة في الأشهر المقبلة داخل قصور الملك سلمان، حيث يعد الإصلاح الحكومي الحالي خطوةً مباشرةً لزيادة نفوذ فرع سلمان من شجرة آل سعود. وخلال هذا الوقت، أشارت مصادر إعلامية في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى أنّ مراسيم الملك سلمان قد نقلت العديد من حلفاء ابنه محمد بن سلمان إلى مناصب رئيسية. كما أبدى الملك سلمان اهتماماً كبيراً بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يتوقع أنّه بتحريض من الأمير محمد. وجاء تعيين ابنه خالد سفيراً في واشنطن كدليلٍ مقنع على هذا الطرح.
ويعتبر تعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان، الأخ غير الشقيق لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وزيراً للدولة لشؤون الطاقة، ذا أهمية كبيرة أيضاً. حيث سيكون الأمير عبد العزيز في قلب الحقيبة الوزارية الحيوية للطاقة في المملكة، بما في ذلك النفط والغاز والطاقة المتجددة وتوليد الطاقة.
ويشير البعض إلى أنّ تعيين الأمير خالد، شقيق محمد بن سلمان، يعد خطوةً لتهميش ولي العهد الأمير محمد بن نايف. وبينما يحافظ نايف على صلات قوية وعالية المستوى مع وسطاء السلطة في واشنطن وإدارة ترامب، يمكن أن ينظر إلى تلك الخطوة على أنها محاولة من قبل الملك سلمان لجعل أوراق مكافحة الإرهاب والعلاقات السياسية في أيدي فرع آل سلمان.
آفاق للصراع
ولا يزال محمد بن نايف هو ولي العهد الحالي. وعلى الرغم من أنّ محمد بن سلمان لم يطعن علناً في مطالبات نايف بالعرش، فمن الواضح أنّ هناك احتمالاً لصراعٍ شاملٍ على السلطة. وباعتباره الدافع الرئيسي وراء حرب التحالف في اليمن، وكونه مهندس الخطة الرامية إلى فطام المملكة عن اعتمادها على النفط من خلال “رؤية 2030″، وبوصفه رئيس “أرامكو” السعودية، فمن الواضح أنّ ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، يملك طموحاً كبيراً للغاية.
كما أنشأ الملك سلمان مركزاً جديداً للأمن الوطني. وسيُشغل دور مستشار الأمن الوطني من قبل محمد بن صالح الغفيلي الذي كان مرتبطاً بالفعل بدائرة محمد بن سلمان الداخلية. وفي الوقت نفسه، عين سلمان موالياً آخر، هو اللواء أحمد عسيري، نائباً لرئيس المخابرات العامة. ويأتي مجلس الأمن الوطني ليكون في منافسة مباشرة مع الكيان الأمني القائم بالفعل، مجلس الشؤون السياسية والأمنية، الذي يرأسه محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية. الأمر الذي يترك بن نايف في وضعٍ غير مستقر.
ويتضح التأثير المباشر لتعديلات سلمان للغالبية. وقد تؤثر بشدة على موقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف. ويعتمد نفوذ بن نايف جزئياً على صلاته بالمؤسسة الأمنية في المملكة. وكان من أهم إنجازاته، قبل أن يصبح ولياً للعهد، عملياته الناجحة جداً ضد تنظيم القاعدة.
لا يبشر صراع السلطة الداخلي المتزايد، الذي يحظى فيه محمد بن سلمان وحلفاؤه باليد العليا، بالخير في الأشهر القادمة. ولا يمكن تحقيق الاستقرار على المستويين السياسي والأمني إلا إذا تم احتواء المعارضة في أماكن أخرى. ولتخفيف الخلافات السياسية (أو الملكية)، يجب على حكومة الملك سلمان الاستمرار في الدفع من أجل ارتفاع أسعار النفط والإيرادات. وسيجعل هذا المملكة أمام تحدٍ كبير. وبما أنّ الأسعار لا تزال تتدهور إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، فسوف تضطر المملكة إلى استخدام كل ما لديها من قوة وتأثير دولي للسيطرة على أسواق النفط المتقلبة. وستحتاج الرياض إلى تدفق مستمر من النقد لدعم النفقات الحكومية المرتفعة، والإعانات، والرواتب، مع الاستثمار في مشاريع التنويع الاقتصادي الجارية. ويمثل خيار خفض إنتاج أوبك الخيار الوحيد المتاح.
وتتوقع الرياض ارتفاع العائدات، حيث تتابع البيانات المتفائلة من قبل المسؤولين الحكوميين. ورسمياً، تحسن الوضع المالي للحكومة، لكنّ المملكة ما زالت تواجه عجزاً يتراوح بين 50 و53 مليار دولار خلال عام 2017. وسيتم التخفيف من حدة هذا العجز جزئياً مع ارتفاع نسبة نجاح إصدارات سنداتها. وبشكلٍ عام، فإنّ التحرك نحو إلغاء التخفيضات المالية لم يكن خطوة إيجابية. فمن الناحية المالية، كان الأمر مؤذياً، لكنّ القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية أجبرت سلمان على تلك الخطوات.
هدوء ما قبل العاصفة
وعلى الرغم من أنّ المعارضة في السعودية هادئة للغاية في الوقت الحاضر، فقد يكون الوضع الحالي هو هدوء ما قبل العاصفة. ولا تزال تعديلات الملك سلمان غير المتوقعة داخل الحكومة، ونقل كل السلطة إلى يد فرع سلمان، في الوقت الذي يوزع أيضاً فيه أموالاً إضافية للشعب والجيش، علامةً على وجود مستوىً عالٍ من المعارضة التي تواجه أحلام ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وينبغي على الأسواق العالمية للنفط والطاقة ألا تأخذ هذه التطورات السعودية الداخلية على محمل الجد. حيث قد يؤدي الصراع الملكي داخل السعودية، أو زيادة الاضطرابات في الشوارع، إلى زعزعة الاستقرار داخل المملكة زعيمة منظمة أوبك بحكم الأمر الواقع. وتظهر التقارير بالفعل أنّ هناك دعواتٌ على الصعيد الوطني للاحتجاجات. كما ذكرت تقارير أنّ قوات الأمن قد انتشرت في شوارع وسط الرياض، ولكن لم يتم الكشف عن أي مظاهرات أو اشتباكات. وقد أصبحت المعارضة صاخبة بشكلٍ متزايد، وخاصةً ما يسمى “حركة 21 أبريل”، التي تستخدم وسوم تويتر للمطالبة باسترجاع العلاوات والبدلات، ودعت إلى وضع حد لخطط طرح “أرامكو” للاكتتاب العام. بل إنّ البعض قد طالب بإقامة النظام الملكي الدستوري.
وفي ضوء ذلك، يعتبر عكس قرارات بن سلمان والإصلاحات الحكومية أمراً عقلانياً. والهدف من كل ذلك هو جلب الاستقرار. وإذا ذهبت الأمور في المملكة إلى الأسوأ، ستكون هدية إلهية لإيران، حيث أنّ خروج الخصم الرئيسي لإيران من المنافسة قد يهدد البحرين، وكذلك الكويت. إنّ التقليل من شأن الصراعات المستمرة في المنطقة، وخاصةً بين إيران والسعودية، أمرٌ غير حكيم. وقد تؤدي الاضطرابات الداخلية في الرياض إلى نشوب حرائق يصعب إخمادها.