د:بثينه شعبان
في أحد آخر مقابلاته التلفزيونية، قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مخاطباً الأوروبيين: «أنظروا إلى العرب وتعلموا منهم»، مشيراً إلى العرب المندفعين لإقامة علاقات مع الكيان والذين يشير إليهم «بالعرب»، وكأنهم هم الممثلون الوحيدون للعرب، أو كأنهم هم العرب ولا أحد سواهم.
وأضاف في اللقاء نفسه: كنت دائماً أعتقد أن حلّ المسألة مع الفلسطينيين هو البوابة لدخول العالم العربي، اليوم أعتقد العكس هو الصحيح أي إن العلاقة مع العرب هي التي سوف تمكننا من معالجة «خلافاتنا» مع الفلسطينيين.
لا شك أن هذا الكلام لم يكن ممكناً قبل أن يهيئ «الربيع العربي»، وتدمير العراق، وليبيا، واليمن، والحرب على سورية، لذلك، ومن هنا فإن كلّ ما جرى ممنهج من أجل إذابة الصراع العربي الإسرائيلي وابتلاع القدس، والجولان، وحق العودة، وحقوق العرب في أرضهم وديارهم.
زعيم الكيان أضاف إنه سوف يقاتل داعش والإسلام الجهادي بالتعاون مع العرب حيث وُجدا، وهذا أيضاً مؤشر واضح لأهداف خلق داعش والإسلام الجهادي من أجل تغيير كل المعادلات في الصراع العربي الإسرائيلي، وكي تكون «إسرائيل» طرفاً في هذه الحرب تساند دول الخليج في حرب مصطنعة على إرهاب تم تصنيعه خصيصاً لهذا الغرض وكي تصبح الحرب عليه جزءاً من عملية تمتين وجود «الكيان الصهيوني» في المنطقة وتعزير أواصره مع دول عربية بأعذار يعتقدون أنها مقبولة لدى العرب الآخرين والعالم.
حين سأله الذي يحاوره، ما الذي تود إنجازه؟ أجاب نتنياهو: أن يتذكروني كحامٍ لإسرائيل وكشخص ترك إسرائيل قوية وذات مكانة في المنطقة.
في هذا الصدد، وفي الوقت الذي ندين فيه الإرهاب وصانعيه ومموليه ورعاته، فليس من المعيب أبداً أن يتعلم المرء من أعدائه، أنهم رغم كل الخلافات بينهم فإنهم لا يضيعون الهدف الأساسي، وهو خدمة كيانهم المزروع في قلب أمتنا، على حين ينظر العالم حتى إلى صلب المعنيين في القضية الفلسطينية، فيجدهم أطرافاً عدة وذوي توجهات وطرائق مختلفة لا يتحدون على قول أو فعل من أجل قضيتهم المقدسة.
هذا هو التحدي الأول الذي يواجه كل العروبيين المؤمنين بعروبة فلسطين والمؤمنين بأن هذه الأمة قادرة على تجاوز كلّ هذا الواقع المشين إذا ما اتبعت آليات عمل تجعل منها أمة واحدة في العمل والتنسيق والتشاور والرؤى الإستراتيجية، وليس القصد بالأمة الواحدة كيان الدولة الواحدة، بل استحداث كل آليات التنسيق التي تزيد الجميع منعة وقوة وتضمن لهم مكاناً وصوتاً على الساحتين الإقليمية والدولية.
التحدي الثاني الذي لا يقلّ أهمية، موصوف في ملاحظات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون لموظفي وزارة الخارجية الأميركية في لقائه معهم في 3 أيار الجاري، حيث كانت مقدمته ورؤيته للسياسة الخارجية الأميركية لافتةً بالفعل لأنها عبّرت عما كنا نعتقده منذ زمن أنها حقيقة السياسات الأميركية في العالم.
في مدخل الحديث عن الأوضاع في العالم وموقف الولايات المتحدة منها، بدأ تيليرسون بالحديث عن القيم الأميركية: «الحرية، الكرامة الإنسانية، والطريقة التي يتم التعامل بها مع الناس»، وقال: «هذه قيمنا، ولكنها ليست سياستنا»، ودعا إلى التفريق بين القيم والسياسات وأنّ السياسات تتغير أما القيم فلا تتغير، وأضاف: «ولكن إذا وضعتم شرطاً لجهودنا في الأمن الوطني، على الآخرين أن يتبنوا قيمنا، ربما لا نستطيع أن ننجز أهداف أمننا القومي أو مصالحنا الأمنية. وإذا وضعنا شروطاً بأن الآخرين يجب أن يتبنوا قيمنا، هذه القيم التي توصلنا إليها عبر تاريخنا الطويل، فإن هذا يخلق صعوبات فعلية في طريق إنجاز مصالح أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية، ولذلك من المهم جداً أن نفهم جميعاً الفرق بين السياسة والقيم، ولذلك فإنه علينا أن نفهم في كل بلد في العالم ما مصالح أمننا القومي وما مصالحنا الاقتصادية وبعد ذلك حين نتمكن من الترويج لقيمنا، يجب أن نفعل ذلك، وهكذا فنحن يجب أن ندرس كيفية تحقيق أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية من جهة، أما قيمنا فهي ثابتة في مكان آخر».
هذا الشرح والتوضيح يأتي قبل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دول الخليج ولقائه المرتقب مع قادة الخليج وربما مع مسؤولين من الأردن.، والمغرب، وهذا الشرح والتوضيح عمل استباقي للصفقات الأميركية، وربما الإسرائيلية، القادمة مع دول الخليج، وكي لا يسأل أحد أين القيم الأميركية حين يتمّ التعامل مع مشيخات لا تقيم للحرية أو للكرامة الإنسانية وزناً وتعامل شعوبها كالعبيد، فإن الجواب الاستباقي هو أن مصالح الأمن القومي الأميركي ومصالح أميركا الاقتصادية تأتي أولاً وتبقى القيم ثابتة هناك في الكتابة والإعلام والخطب الرنانة عن القيم الأميركية، ولا شك أن زيارة ترامب إلى الخليج ستُتوج بصفقات أسلحة بمليارات الدولارات تستخدم لقصف اليمن وزعزعة سورية والعراق وليبيا والسودان ومصر.
ما نراه تحديّاً من قبل كيان الاحتلال ومن قبل الولايات المتحدة، تراه «إسرائيل» فرصة لها في الانفتاح على الخليج وتطبيع العلاقات معه وإيهام العالم بأن الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهى، وهذا التحدي سيظلّ قائماً إلى أن يضع العرب العروبيون رؤيتهم للمرحلة القادمة وإلى أن يطوروا أساليبهم في ضوء التطورات الخطيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، وإلى أن يتم فهم الواقع كما هو وارتداداته على حقوقنا وقضايانا، وأن نضع الخطط العملية لمواجهة هذا الواقع الجديد بالأساليب والإمكانات المتاحة.
هناك مخاض خطير وعلينا أن نكون فاعلين فيه ومدركين لآفاقه، وأن نكرّس طاقاتنا كي تكون النتائج في مصلحة العرب المؤمنين بعروبتهم وحقوقهم، مهما تراكم عليهم من ظلم وإجحاف.