د:امين حطيط :
في سلوك غير مألوف استدعى سلمان ملك السعودية حكام بعض الدول العربية و الإسلامية ممن يتصور أنهم لا يقدرون على رفض الدعوة ، طالبا اليهم المثول الى الرياض ليكونوا معه في استقبال ترامب الرئيس الأميركي الذي
كان أول توقيع له في البيت الأبيض حظر سفر رعايا سبع دول عربية و اسلامية الى اميركا ، و بظن سلمان السعودي أن وجود هؤلاء الحكام حوله لدى دخول ترامب عليه سيعلي مقامه و يرفع من قدره ما يجعله الوكيل المعتمد للسياسة الأميركية في العالم العربي و الإسلامي، فتستعيد السعودية بذلك مكانتها فيهما بعد الانهيار الاستراتيجي الكبير الذي لحق بها من العراق الى سورية و صولاً الى اليمن حيث دفنت أحلامها و أمالها في المقابر التي أقامها طيرانها لشعب اليمن .
ومع هذه الحفلة الاستعراضية الفلكلورية التي تعد الآن نتصور أن لكل مشارك هدفاً أو مصلحة أو امنية يصبو الى تحقيقها ولكن كل المصالح تحجب أو تتضاءل في المخطط الأميركي الهادف بغير شك الى تحقيق مصالح أميركية وإسرائيلية فحسب. فما هو المخطط هذا وما هي أهدافه وتداعيات العمل به؟
لا يمكن الإجابة على الأسئلة أعلاه إن لم ننطلق مما انتهى اليه العدوان على المنطقة بتخطيط وقيادة أميركية وأدوات عربية وإسلامية هذا العدوان الذي ابتدأ بخطة الاقواس الثلاثة الاخوانية والتي ابتغى واضعها الصهيواميركي انشاء قوس اخواني بقيادة اردغان ليحمي إسرائيل ويبعدها عن نيران المنطقة، قوس يمتد من شمال افريقيا الى تركيا، وقوس وهابي سعودي تناط به مهمة مواجهة محور المقاومة الذي أسمي من قبل المخطط بانه «قوس شيعي». وقد أسقطت سورية مع محور المقاومة هذه الخطة، وأدخلت العدوان في مأزق جعله يبحث عن البديل. وبعد استنفاد4 خطط متتالية وصل العدوان الصهيو أميركي على سورية والمنطقة الى الفشل الذي هو فيه ما اضطره الى العمل اليوم تحت عنوان انشاء «الحلف السني» لمواجهة محور المقاومة الذي يسمونه زوراً بانه «هلال شيعي».
وبالتالي إن السعي اليوم لانشاء تكتل إقليمي بقيادة أو توجيه أميركي، إنما هو نوع من الخطة البديلة للمشاريع أو الخطط السابقة التي فشلت خلال السنوات السبع الماضية، ومن شان هذا التكتل أن يحقق لأميركا وإسرائيل هدفاً استراتيجياً محورياً طالما سعتا إليه منذ العام 1982، عام الانتهاء من تنفيذ اتفاقية كامب دافيد وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية مع مقاتليها من لبنان وإبعادهم الى تونس هو دمج إسرائيل فيها.
ففي العام 1982 أطلقت إسرائيل مشروع الشرق الأوسط الكبير تحت عنوان «المال العربي والعقل الإسرائيلي» يقودان المنطقة الى رفاهها ونهضتها، ولكن المقاومة في لبنان ومعها المحور الذي حضنها متشكلاً من سورية وإيران عطلت على إسرائيل فرصة النجاح في سعيها. واليوم وبعد أربعة عقود تقريبا يعود الطرح الإسرائيلي الأميركي ومن باب عسكري أمني، يستغل مخاوف مزعومة لدى الدول الخليجية عامة والسعودية خاصة، مخاوف من خطر إيران المزعوم، ويتجه الى إقامة حلف عسكري من دول عربية وإسلامية بقيادة إسرائيلية ورعاية أميركية، تكون مهمته الحقيقية جعل إسرائيل مكون عضوي بنيوي من المكونات الرئيسية في المنطقة، ما يفتح الطريق واسعاً امام أخطر وأهم خطوة لتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع العام والشامل مع من اغتصب فلسطين.
وبالتالي اننا نجد أن أول وأهم ما يسعى اليه ترامب في السعودية في زيارته الأولى للخارج بعد توليه السلطة، هو منح حماية استراتيجية نهائية لإسرائيل، بجعلها جزء من منظومة عسكرية أمنية إقليمية تشكل بقيادتها، وتكون مهمتها مواجهة محور المقاومة، وفي هذا يصبح العرب والمسلمون الذين يدخلون في الحلف حماة لإسرائيل، وتحجب القضية الأساسية المركزية لهم والتي هي قضية فلسطين باختلاق عدو وهمي مزعوم (إيران وحزب الله).
أما الهدف الثاني من الحفلة الاستعراضية، فهو مرتبط بالأول لجهة رفع مستوى التخويف من إيران لدى دول الخليج عامة والسعودية خاصة، وحملها على ابرام العقود لشراء الأسلحة الأميركية، وفي ذلك تعويم للاقتصاد الأميركي الذي يشكو من أعباء كثيرة تجعله يئن ويواجه تحديات كبرى تجعله يتراجع.
اذن نرى أن الهدف الاميركي الحقيقي من جولة ترامب في المنطقة هو ضمان الارتقاء بالتدابير التي تضمن وجود إسرائيل، بجعلها جزءاً عضوياً من المنطقة، ويتبعه تسريع التطبيع معها، ومن هنا يفسر القرار الخليجي بقبول دخول الإسرائيليين الى كل من الامارات العربية وقطر بدون تأشيرة دخول في خطوة متقدمة على طريق التطبيع المتسارع معها، اما الهدف الثاني فهو سحب المزيد من الأموال الخليجية لدعم الاقتصاد الأميركي. ولكن هل سيتعدى الموقف هذه الأهداف؟
قد يتصور البعض ان الحلف الذي تسعى اليه اميركا (عربي- إسلامي- اسرائيلي) سيبادر الى شن حرب على محور المقاومة ما ان يستوي بنيانه و يجهز قواه ، و هو رأي قد يكون له من الحيثيات ما يبرر اطلاقه ، لكننا نرى ان استبعاده أرجح من الاخذ به ، و ذلك لسبين الأول يتعلق بالقدرات العسكرية التي سيكون عليها هذا الحلف بعد انشائه، و هي قدرات لو أجريت مقارنة بينها و بين الأهداف العسكرية المطلوب تحقيقها من المواجهة لظهر عجزها عن تحقيق المطلوب، اما الثاني فمتعلق بوهن جسم دول الحلف و تدني مناعتها الدفاعية في مواجهة القدرات العسكرية لمحور المقاومة، ما يمنع دول الحلف العتيد عن ارتكاب أي حماقة تشعل المنطقة كلها و تحرق المصالح الأميركية و الإسرائيلية و عروش حراس تلك المصالح فيها.
ومع استبعاد الحرب الواسعة يبقى السؤال، عن التصرف المعادي حيال الساحات الملتهبة في المنطقة خاصة في كل من العراق وسورية واليمن والبحرين، فهل تتجه الى التصعيد أم للحل؟ هنا نجد أن أميركا ستدفع باتجاه المماطلة والتسويف لمنع إطفاء النار في هذه الساحات لفترة تراها كافية لاقامة الحلف واستقراره وتركيز التطبيع مع إسرائيل بشكل أكثر ثباتاً ورسوخاً، مع الاستمرار في تنفيذ خطة قطع تواصل محور المقاومة عبر امتلاك السيطرة على الحدود العراقية السورية وصولاً الى فرض واقع تقسيمي في سورية يعطل دورها في محور المقاومة.
ولهذا نجد أهمية بالغة لاستمرار سورية في حربها على الإرهاب وتحقيق الإنجازات المتتالية على هذا الصعيد مقرونة بتطبيق مذكرة انشاء «مناطق وقف التصعيد في سورية»، التي أطلقتها روسيا وهي هامة في جوهرها إذا طبقت وفقا للفهم السوري من حيث إنها توفر فرصاً لحقن الدماء وتسريع المصالحات لاستعادة المضللين من السوريين الى كنف الدولة، كما وتوفر قوى عسكرية سورية وحليفة إضافية للتوجه الى الشرق لقطع الطريق على الخطة الأميركية بوجهيها الاستنزافي والاحتلالي. كل ذلك سيكون كفيلاً بأسقاط الخطة الأميركية الجديدة كما سقطت 5 خطط قبلها. ولهذا نجد كم هو هام مواجهة أي مسعى أميركي للانحراف في تفسير او تطبيق مذكرة «مناطق تخفيض التصعيد» لمنعها من تحقيق الرغبات الأميركية بإنشاء المناطق الآمنة الانفصالية.