مضاوي الرشيد:البعث
انطلقت جولة الرئيس دونالد ترامب الخارجية من واشنطن نحو الرياض، تليها “إسرائيل” ثم الفاتيكان. وعلى خلاف ما يظنه مستشارو ترامب، أو ما يوهمون به أنفسهم، فإن هذه الجولة لا يمكن أن تكون حجاً بين الأديان من خلال زيارة شملت ثلاثة مواقع مقدسة. فقد قطع الرئيس الأمريكي عدداً من الوعود للرياض شملت جملة من المسائل، ولكن الفداء والخلاص قد لا يكون طريقهما سهلاً كما يظن قادة البلدين.
في الرابع من أيار، أعلن ترامب عن أنه سيبدأ في الرياض بإرساء قاعدة جديدة من التعاون والدعم مع “حلفائنا المسلمين لمكافحة التطرف والإرهاب والعنف”. وفي بيان موجز صدر عن البيت الأبيض، صرح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هربرت رايموند مكماستر، أن “الرئيس ترامب يسعى إلى توحيد الشعوب من جميع الأديان من خلال إرساء رؤية مشتركة للسلام، والتقدم، والازدهار. وبهذه المبادرة، سوف يجلب رسالة التسامح والأمل إلى المليارات، بما في ذلك الملايين من الأمريكيين الذين يعتنقون هذه الأديان”.
في الحقيقة، ترامب ليس “نبياً”، على الرغم من إمكانية إيهام نفسه بذلك، فضلاً عن أن الرياض ليست مكة المكرمة. وعلى الرغم من كل الغموض الذي يحيط بنوايا ترامب المبيتة، إلا أن الرياض وعدته بالفعل بنيل غنائم كبيرة.
بالنسبة لفريق ترامب يُعتبر الإسلام أيديولوجيا
سوف يستدعي السعوديون نحو 50 زعيماً من العالم الإسلامي لعقد قمة أمريكية عربية إسلامية. وخلال هذه القمة، سيلقي ترامب خطاباً على هؤلاء القادة، ومن بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والملك المغربي محمد السادس، ورئيس وزراء باكستان، نواز شريف، وغيرهم من القادة المسلمين. وبطبيعة الحال، سيستغل ترامب هذه الفرصة كي يتقرب من الحاضرين، بعد عدة أشهر من استعداء بلدانهم بعباراته المناهضة للمسلمين، والتي نشرها المشرفون على حملته الانتخابية خلال السباق الرئاسي.
يعتقد أغلب مستشاري ترامب أن الإسلام يمثل إيديولوجيا، وليس ديناً. في الحقيقة، لم يحدث قرار حظر دخول المواطنين التابعين لسبع دول شرق أوسطية إلى الولايات المتحدة تغييراً يُذكر في صورة ترامب كسياسي لا يرحب بالمسلمين في الأراضي الأمريكية.
لا يشعر العديد من “القادة المسلمين”، بمن فيهم السعوديون، بالاستياء والإهانة من قرارات ترامب المعادية للمسلمين، وهم قطعاً سيرحبون به، ومن المحتمل أن يتعالى صوت التصفيق له بعد أن يلقي خطابه “المثير” عن التسامح وتطرف المسلمين. وسيقف ترامب “كأنه نبي” أمريكي دجال ليلّقن دروساً للمسلمين حول دينهم، الذي يكرس مفهوم السلام والتسامح. والأسوأ من ذلك أنه سوف يذكّرهم بجوهر ديانتهم.
في هذه المهمة المحددة، اختار ترامب النظام السعودي، الذي يرتبط اسمه تاريخياً بالتفسيرات الأكثر تطرفاً للإسلام، ليلعب دوراً هاماً في تنسيق علاقاته العامة، وفي تحسين صورته وتقريبه من المسلمين الذين لا يثقون به. والجدير بالذكر أن ترامب يمكنه أن يعيش مع سمعة سيئة بين الناس الذين لا يحترم قيمهم، ولا يعتبرهم حلفاء مهمين، أو حتى أعضاء مرحباً بهم في المجتمع الدولي. ومن المحتمل أنه لا يرغب في رؤيتهم على عتبة بابه في الولايات المتحدة.
تعتبر كل من ظاهرة رهاب الأجانب، التي نشرها ترامب خلال حملته الانتخابية، وخطابه الأول “أمريكا أولاً” شاهداً عيان على مشاعر القومية المفرطة التي يمتلكها هذا الرئيس، فضلاً عن كونها خير دليل على أنه مواطن بدائي وعنصري. من جهة أخرى، جعلت المواقف، التي تبناها في السابق، من ترامب رئيساً منحازاً عن القومية المدنية التي بنيت عليها قيم الولايات المتحدة.
في الواقع، يعترف ترامب فقط بالأنظمة التي يمكن أن تدفع أتعاب الخدمات والنفقات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة. إذاً يمكن القول أن ترامب يؤمن بما في جيوبهم، وليس بما يعنيه دينهم. في الوقت الراهن، يبدو أن القيادة السعودية لا تأبه لذلك، بل تستعد لتعزيز صورته وتوطيد علاقاته مع الشعوب الإسلامية، فضلاً عن أنها على استعداد لدفع ثمن شرف القيام بذلك.
وفي هذا الإطار، لا يزال السعوديون يأملون أن يدعم ترامب محاولتهم أن يتوجوا كقادة للأمة الإسلامية، حيث تُعرّف المملكة السعودية نفسها بأنها بلد ذو غالبية محددة، ملغية بذلك وجود مجموعات عرقية وطائفية أخرى غير تقليدية وغير متجانسة على أراضيها. ويبدو أن القيادة السعودية تعتمد أساساً للوصول إلى مبتغاها على تأييد الولايات المتحدة وترامب.
دعوة لحمل السلاح
وعد ترامب بأن يتم استثمار مليارات الغنائم السعودية في الولايات المتحدة، خاصة مؤيديه الأمريكيين الذين استسلموا لخطابه الملتهب حول كيفية جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. كما قدّم ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تعهدات مالية عندما زار واشنطن في شهر نيسان.
بالإضافة إلى ذاك، وعد ولي العهد السعودي باستثمار أكثر من 40 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي لخلق المزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة، ما سمح لترامب بمكافأة تلك المناطق المحرومة التي صوتت لصالحه في الانتخابات.
لكن لا ينبغي أن يكون ترامب متفائلاً جداً، نظراً لأن الأمير الشاب قد اتخذ قرارات محلية، مقابل كل الأموال السخية التي قدّمها للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، قام بتجميد التوظيف في القطاع العام، وخفض العلاوات كجزء من تدابير التقشف الجديدة، ولكن بعد أقل من ستة أشهر، غيّر رأيه وألغى هذه التدابير.
في المقابل، يعتبر المساهمون في صناعة الأسلحة أكثر المستفيدين من هذه الوعود، بما في ذلك شركة “بي أي إي سيستمز”، التي تُشغّل قرابة 29500 موظف في الولايات المتحدة.
وفي شأن ذي صلة، توجد حجة مفادها أن استمرار بيع أسلحة الدمار الشامل إلى المملكة العربية السعودية يحمي مستقبل وظائف في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولكن في الواقع، تعتبر هذه الحجة واهية لأن شركة “بي إي أي سيستمز” تملك فقط حوالي 83 ألف موظف، على الصعيد العالمي.
وأفترض أنه من الأفضل أن نقول إن هذا العدد الصغير من الموظفين يخلق أرباحاً هائلة لكل من المساهمين والحكومات، ما يجعل من تجارة الأسلحة صناعةً مربحةً تدافع عنها بضراوة كل المؤسسات الغربية. والجدير بالذكر أن باراك أوباما باع، خلال فترة ولايته، أسلحة بقيمة 115 مليار دولار للسعوديين، ويعتبر هذا الحجم من المبيعات قياسياً. أما في الوقت الراهن، يريد ترامب زيادة نسبة تلك المبيعات، وتوقيع عقود تدريب أخرى مع السعودية.
في هذه النقطة، يمكن أن يعتمد سلمان على سفيره الجديد، الأمير خالد بن سلمان، الأخ الأصغر المعين حديثاً في واشنطن. لذلك سيعمل كلا الأميرين على ضمان ازدهار صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة. وتحت هذه الراية، سوف يلتزم كلاهما بالتعهد السعودي بالاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، على الرغم من النقص في احتياطي النقد الأجنبي الخاص بهم، والذي يستمر في الانخفاض منذ انهيار أسعار النفط خلال سنة 2014.
اجتماع العقول
بصرف النظر عن النتائج الملموسة التي سوف تحققها جولة الرياض، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة: ما الذي يمكن أن يقدّمه الحكام والقادة المستبدون الذين تم استدعاؤهم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلى رئيس متسلط مثل ترامب؟
باستثناء عدد قليل من البلدان، يترأس مختلف القادة، الذين سوف يجتمعون في الرياض، حكومات غير ديمقراطية وغير تمثيلية في بلدان أصبح فيها التطرف والإرهاب منتشراً. ومن الرياض إلى كوالالمبور، سوف يجد ترامب قادة على استعداد لشراء خطابه عن الإسلام ودوره في إنتاج الحركات الجهادية العالمية الدموية.
وعلى ضوء قضية تفشي الإرهاب في عدة أقطار، يشارك ترامب الكثير من القادة المسلمين مفهوم التطرف والإرهاب الذي يلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق الإسلام والمسلمين الذين يجهلون جوهر دينهم. من وجهة نظرهم المظللة، يُعتبر الإرهاب مشكلة مصدرها الإسلام والمسلمين. ومن المفارقات الغريبة التي حدثت في ظل هذه الأوضاع المضطربة، أن النظام السعودي هو من سيتولى مهمة إصلاح المسلمين، الذين ضلوا عن الطريق السوي، وخالفوا الأسس الصحيحة لدينهم.
تعتبر هذه خدعة جيدة لتحويل الانتباه عن حقائق مشينة. فضلاً عن ذلك، تسهل هذه الخدعة ببساطة تجاهل القمع وجرائم القتل خارج نطاق القضاء، وقضايا الاختفاء، وتفشي الفقر، واستفحال الفساد، وممارسة التعذيب، والعديد من مظاهر القمع الأخرى السائدة في البلدان الديكتاتورية في العالم الإسلامي. وبناء عليه، سيتجنب ترامب ومضيفه السعودي، وضيوفه في الرياض، الحديث عن مثل هذه القضايا غير السارة التي تسلط الضوء على تورط القادة الحاضرين في القمة في مثل هذه المسائل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
في الحقيقة، لن يعترف أحد في الولايات المتحدة، ولا ترامب أو جمهوره، بأنهم على علاقة بموجة الإرهاب الحالية التي تجتاح العالم. ومن المؤكد، أنه لن يكون أحد هؤلاء القادة المسلمين مستعداً لتذكير ترامب بعمليات القصف الأمريكية للعديد من البلدان الإسلامية؛ من بينها الصومال، والسودان، وسورية، واليمن، والعراق، وباكستان، وأفغانستان، خلال العقدين الماضيين.
علاوة على ذلك، سوف يجد ترامب، من بين هؤلاء القادة المسلمين الذين تم تجميعهم في الرياض، من هو على استعداد لتبني مشاريعه العسكرية القذرة، دون أي استجواب، أو مساءلة. ومقابل ذلك، سوف يُمكّنه من الحصول على أحدث التقنيات لقمع شعبه، وفي الوقت ذاته سوف يقوم ترامب بتحسين حجم تدفقات بلاده النقدية.
وبالتالي، يبدو جلياً أن القيادة السعودية وترامب يعتبران وجهان لعملة واحدة، إذ أن كلا القائدين منشغلان بإيجاد سبل الصمود والبقاء على قيد الحياة، من خلال تغذية السرد عن التطرف الذي يعفيهما من المسؤولية. وما لا شك فيه أن الرياض وواشنطن تتشاركان هذه الأفكار مع جميع القادة المسلمين الذين سوف يحلون في الرياض في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لتلبية رغبات دونالد ترامب.