وصال صالح;الثورة
يرى عضو الكونغرس الأميركي الجمهوري عن ولاية تكساس رون بول، انه عندما نفكر في الإرهاب، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا حالة الرعب والأهوال التي أثارها هجوم مانشستر، حيث ذهب انتحاري متطرف إلى قاعة لحفلات الموسيقا وقتل العشرات من المدنيين الأبرياء. الحقيقة كان عملاً لا يغتفر من الوحشية وبالتأكيد روع الناس الآمنين.
الشيء الآخر الذي لم يؤخذ كثيراً بعين الاعتبار هو الهجمات التي تخلف وراءها أعداداً كبيرة من القتلى المدنيين، والتي تحدث تقريباً بشكل يومي عوضاً من أن تكون نادرة الحدوث، وتفضي إلى شعورمتواصل من الرعب والخوف. هذه هي الرسالة التي يتلقاها المدنيون في النهاية من الولايات المتحدة وحلفائها الذين يقصفون أماكن مثل سورية، اليمن،أفغانستان، الصومال وأماكن أخرى.
الأسبوع الماضي وحده شهد مقتل أكثر من 200 مدني وعدة مئات من الجرحى في سورية، نتيجة هجوم «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة على هذا البلد اكثر من ذلك، في الواقع، حتى على الرغم من أنه كان من المفترض ان التدخل الأميركي في سورية لحماية السكان من هجمات الحكومة السورية، إلا أن الضربات الجوية الأميركية أدت إلى مقتل مدنيين خلال الشهر الماضي اكثر من الضربات الجوية التي تزعم الدول الغربية ان القوات السورية تقوم بها. وهذا أشبه ما يكون بالطبيب الذي يقتل المريض لإنقاذه.
هل نعتقد نحن حقاً أننا نكافح الإرهاب عبر ترويع المدنيين الأبرياء في الخارج، متى يجب علينا أن نقبل أن «الأضرار الجانبية» هي مجرد مرادف آخر «للقتل»؟
ما سمي بالنجاح في قمة G7 الأخير في صقلية كان مجرد اتفاق عام ليتضامنوا معاً على»مكافحة الإرهاب» إذاً ألم نكن نحن في «حرب على الإرهاب» على مدى ال16 عاماً الماضية؟ ماذا يعني هذا حقاً مراقبة أكبر للمدنيين الأبرياء، قمع حرية التعبير والانترنت، والمزيد من إسقاط القنابل في الخارج، وسنفعل أكثر مما اعتدنا فعله من الخداع؟ بالكاد! بعد 16 عاماً من مكافحة الإرهاب، حتى ان الوضع الآن بات أسوأ مما كان عليه قبل أن نبدأ. هذا بالكاد يمكن اعتباره نجاحاً.
هم يزعمون أن المزيد من الرقابة الحكومية ستجعلنا آمنين. لكن بريطانيا هي بالفعل الدولة الأكثر مراقبة مكثفة في العالم الغربي. انتحاري مانشستر ظهر سابقاً بالتأكيد على شاشة الرادار. وفقاً لتقارير صحفية كان معروفاً بالنسبة لأجهزة الاستخبارات البريطانية وهو سافر وربما تدرب على التفجير في ليبيا وسورية، أفراد عائلته حذروا السلطات من أنه خطير، حتى ان راية الإرهاب كانت ترفرف فوق منزله ، ما الذي كان عليه القيام به أكثر من ذلك للإشارة إلى أنه قد يكون مصدر مشكلة؟ الآن في بريطانيا السلطات تفقد كل المفاتيح والأدلة.
حتى الأسوأ من ذلك. الحكومة البريطانية منحت في الواقع إذناً لمواطنيها من أصول ليبية للسفر إلى ليبيا والقتال جنباً إلى جنب مع تنظيم القاعدة للإطاحة بالعقيد معمر القذافي، وبعد أربعة أشهر من المعركة والتشرب العقائدي هم يرحبون بعودة هؤلاء المواطنين المتطرفين إلى بريطانيا، ونحن من المفترض بنا أن نتفاجأ ونصدم من أنهم يهاجموننا؟.
المشكلة الحقيقية هي ان كل من واشنطن ولندن أكثر اهتماماً في تغيير الأنظمة في الخارج أكثر من الاهتمام بأي رد فعل سلبي يمكن أن يرتد إلينا في الوطن. هم فقط لا يبالون ولا يكترثون للثمن الذي ندفعه بسبب سياستهم الخارجية، ليس هناك إعلان كبير لحل جديد «لمكافحة الإرهاب» نحن لن ننجح ما لم نفهم ما هي الدواعي والأسباب الحقيقية للإرهاب، هم لا يكرهوننا لأننا أغنياء أو نتمتع بالحرية. هم يكرهوننا لأننا هناك، نقصفهم.
وفي السياق ذاته كشف معهد رون بول أن المتمردين الليبيين ذهبوا إلى ليبيا لإسقاط القذافي بمباركة جهاز الاستخبارت البريطاني MI5، هذا ما تكشف بعد التحقيق مع المتمردين الذين يعيشون في انكلترا، الحكومة البريطانية تنازلت عن حظر السفر وسمحت لهم بالذهاب إلى شمال أفريقيا لمحاربة القذافي، مقاتلون من بينهم ليبيون منفيون ومواطنون ليبيون مقيمون في بريطانيا وصفوا كيف أن MI5 اتبع سياسة الباب المفتوح للراغبين بالسفر إلى ليبيا.
يأتي ذلك في الوقت الذي اعترفت فيه وزيرة الداخلية البريطانية آمبر رود أن سلمان العبيدي الذي قتل22 وأصاب ما لايقل عن 119 شخصاً عندما فجر نفسه في مانشستر كان معروفاً لدى سلطات مكافحة الإرهاب. أولئك الذين سافروا إلى ليبيا للقتال جنباً إلى جنب الجماعات المتمردة الإسلامية وصفوا كيف أنه على الرغم من خضوعهم لأوامر مكافحة الإرهاب التي تمنعهم من مغادرة موطنهم لأنهم يشكلون تهديداً أمنياً، سمح لهم بالسفر إلى مناطق الحرب.
وعندما غادروا إلى بريطانيا، بعدما أمضوا أشهراُ من القتال إلى جانب الجماعات المسلحة والتي تعتقد الاستخبارات البريطانية بعلاقتها الوثيقة بمتمردي القاعدة، قالوا بأنه سمح لهم بالعودة إلى البلاد بدون تردد.
مسؤولون ليبيون أيدوا هذه الأقوال، متهمين الحكومة البريطانية بأنها كانت «على معرفة تامة» بأولئك الشباب الذين أرسلوا للقتال ليحولوا ليبيا إلى بلد «مُصدر للإرهاب».
رمضان العبيدي وهو والد انتحاري مانشستر وشقيقه الأصغر هشام كانا محتجزان في ليبيا بعد اعتقالهما من قبل شرطة مكافحة الإرهاب، وذلك بعد يوم واحد فقط من اعتقال الشقيق الأكبر اسماعيل 23 عاماً في مانشستر، المحققون قالوا أن هاشم مرتبط بتنظيم داعش –وكان يخطط لتنفيذ هجوم إرهابي في طرابلس، واتهم هاشم بمعرفته بخطة أخيه الإجرامية انتحاري مانشستر قبل أكثر من شهر، في حين تكشف أن والده كان مقاتلاً ثورياً ضد القذافي وأعرب علناً عن دعمه للجماعة المرتبطة بالقاعدة في سورية.
في لندن، تحدث مقاتلون متمردون سابقون عن التسهيلات التي كانت تقدم لهم رغم حظر السفر للذهاب إلى القتال.