عبد الحليم سعود:
دفعت بعض التطورات الجارية في أحد مخيمات المهجرين بمنطقة عرسال اللبنانية، سواء ما يتعلق منها بالحريق الذي أدى لوقوع ضحايا أو الاعتقالات التي أسفرت عن وفيات لم تتضح أسبابها، بملف المهجرين السوريين في لبنان إلى الواجهة مجددا،
بحيث حفلت وسائل الإعلام اللبنانية على اختلاف توجهاتها بأخبار المهجرين كما انشغلت وزارات لبنانية بالرد على ما يكتنف الحادثين، لينجلي المشهد العام عن أوضاع قاسية ومأساوية يعيشها هؤلاء المهجرون نتيجة تجاذبات داخلية لبنانية وتدخل جهات خارجية لمصلحة بقاء هذا الجرح السوري ـ اللبناني نازفاً.
ربما لم يعد هناك حاجة لإثبات وجود رغبة عارمة لدى جهات إقليمية ودولية معروفة لإبقاء أزمة المهجرين السوريين دون حل، حيث يتواصل استخدام هذه القضية في ابتزاز الدولة السورية والضغط عليها عند كل منعطف من منعطفات الأزمة التي تعيشها، بالرغم من كل ما بذلته في السنوات الماضية من جهود لإقفال هذا الملف وإيجاد مخارج مناسبة تؤمن عودة جميع المهجرين إلى بيوتهم أو إلى مراكز إيواء لائقة يجدون فيها كل ما يحتاجونه من غذاء وماء وصحة ودواء وتعليم وخدمات.
وكما هي حالة الحكومتين التركية والأردنية اللتين تقيمان مخيمات “لجوء” غير لائقة بالسوريين وتستغلان الأوضاع الإنسانية الصعبة للمقيمين فيها كأداة لابتزاز الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، وتحقيق بعض المكاسب وتنفيذ بعض الأجندات، كذلك حال الحكومة اللبنانية، حيث يوجد فيها فريق سياسي كبير محسوب على النظام السعودي يوظف هذا الملف بشكل سيء في صراعه مع الدولة السورية وبقية الأفرقاء والتيارات اللبنانية الصديقة لها، بحيث أبقى على علاقة باردة ومتوترة مع الحكومة السورية، منعاً لإيجاد تسوية مناسبة لأزمة المهجرين، وأدهى وأخبث ما يطرحه في هذا الملف هو تحويله إلى ملف دولي بحيث يُبحث ويُحل على طاولات الأمم المتحدة ومؤسساتها المخترقة من جهات معادية لسورية، بعيدا عن الحوار والتفاهم مع الحكومة السورية، تطبيقا لمبدأ سياسي لقيط اسمه “النأي بالنفس”.
الجميع يعرف أن هذا الفريق السياسي في الحكومة اللبنانية معاد للدولة السورية ويدعم الجماعات الإرهابية التي تقاتلها، وينصاع بشكل تام لأوامر وأجندات النظام الإرهابي السعودي المتورط بسفك دماء السوريين، كما أنه يحتضن العديد من المتآمرين وأصحاب الأجندات المشبوهة ضد وطنهم، ولذلك نراه يحاول بكل جهده جعل ملف المهجرين نقطة خلاف مع سورية وأداة للضغط على المقاومة الوطنية في لبنان لكي تتخلى عن دورها في محاربة الإرهاب العابر للحدود، عبر الزعم والادعاء أن مؤازرة حزب الله للجيش العربي السوري ومشاركته في الحرب على الإرهاب هي سبب نزوح وهجرة السوريين إلى لبنان، وهي التي جعلت لبنان مستهدفا بأعمال إرهابية وتفجيرات، ولكن هذا الزعم لا أساس له، وقد أثبتت الوقائع والتطورات بطلانه جملة وتفصيلا، حيث نزح سوريون إلى بلاد عديدة لا وجود لحزب الله فيها، كما استهدفت دولاً أخرى غير لبنان بالإرهاب بعيدا عن هذه الذرائع الملفقة..؟!
هذا الفريق السياسي اللبناني يغالط نفسه ويخادعها حين يعتقد أو يتوهم أن حل أزمة المهجرين السوريين يمكن أن تحلّ بينه وبين الأمم المتحدة وليس بين سورية ولبنان، والدليل بين يديه، حيث مضى على أزمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والشتات نحو سبعين عاما ولم تستطع الأمم المتحدة حلها، لأن جهات دولية معروفة تعيق ذلك وتمنعه خدمة للكيان الصهيوني، أي أنه لا يمكن التعويل على الأمم المتحدة التي تحابي إسرائيل في الكثير من قراراتها بدعم وضغط من واشنطن، وإذا ما استمر هذا الفريق بمكابرته وتعنته ومراهنته على الخارج في ملف المهجرين فلن يحصد سوى الخيبة والخذلان التي يحصدها في ملف اللاجئين الفلسطينيين على كل صعيد.
لقد لاحظت دول أوروبية ومنها ألمانيا كيف استخدم الطاغية أردوغان ملف المهجرين السوريين كأداة للضغط على أوروبا بحيث اضطرها إلى دفع مليارات الدولارات لإبقائهم على الأراضي التركية ومنع عودتهم إلى بلدهم، وكذلك فعلت الحكومة الأردنية التي تتسول العالم والدول المانحة باسم المهجرين السوريين، في حين لا يصل إلى هؤلاء المهجرين سوى القليل جداً مما يُمنح لهذه الدول باسمهم، وقد شكت الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بحقوق الإنسان أكثر من مرة من المعاملة المهينة والسيئة والانتهاكات البشعة التي يتعرض لها المهجرون السوريون في مخيمات هذه الدول.
تقول بعض المعلومات المسربة من لبنان تحدثت عنها “أوراق بنما” التي فضحها موقع ويكليكس، إن هناك عمليات احتيال وغسيل أموال مورست في ملف “إعادة إعمار” وإعادة مهجري الحرب إلى بيوتهم في الجنوب بعد عدوان تموز عام 2006، وقد شغل هذا الملف الرأي العام اللبناني لبعض الوقت قبل أن يسحب من التداول بحجة “المصلحة الوطنية”، ولكن الفساد في لبنان ليس جديدا ولا طارئا، فمن ساهم بسرقة أموال المهجرين اللبنانيين بسبب عدوان تموز وتاجر بمعاناتهم لن يجد حرجا في سرقة الأموال المخصصة للمهجرين السوريين، ولا سيما أن نفس الفريق السياسي المتهم بالسرقة والفساد والاختلاس لا يزال يشغل مواقع مهمة في الحكومة اللبنانية الحالية وفي الدولة اللبنانية.
لكن الأخطر في ملف المهجرين السوريين بلبنان أن بعض القوى المعادية لسورية ولحزب الله تريد لمخيمات المهجرين أن تكون بؤرة وملاذا آمنا للجماعات الارهابية التكفيرية وللمطلوبين من قبل الأمن اللبناني بجرائم إرهابية، بحيث تمنع ملاحقتهم ومحاسبتهم على ما ارتكبوه بزعم أنهم مهاجرون أو لاجئون لا حول لهم ولا قوة، وما الضجة المثارة منذ أيام بخصوص “المعتقلين” في أحد المخيمات سوى دليل جديد على وجود قيادات وعناصر من داعش وجبهة النصرة مطلوبة للأمن اللبناني، وقد ثبت بأكثر من دليل أن بعض الإرهابيين وبعض السيارات المفخخة خرجت من المخيمات بتسهيل من قوى وشخصيات محسوبة على نفس الفريق السياسي، ما يجعل ملف المهجرين مؤجلا ومعلقاً إلى حين الوصول إلى تسوية نهائية للأزمة المفتعلة في سورية.