وثيقة «جنيف1» تم وضعها في 30 حزيران 2012، منذ ذلك الوقت وحتى انعقاد «جنيف2» تغيرت الأوضاع والظروف «وجرى ماء كثير في النهر»، ولم تعد الوثيقة منطقية. وعلى الرغم من ذلك قبلتها سورية محوراً لـ«جنيف2».. لماذا؟..
في تقديري أن هناك سببين على الأقل، الأول براغماتي، فالواثق من نفسه مستعد لأن يذهب مع الواهم إلى أي مكان لكي لا يعطيه ذريعة التهرب من «المواجهة». والثاني أن القسم المبدئي في «جنيف1»، الذي تم وضعه بتأثير روسي وصيني واضح، هو جيد لأنه يتحدث عن مبادئ ومنطلقات لا تتغير كسيادة سورية واستقلالها، والولاية المطلقة للشعب العربي السوري في تحديد من يحكمه وكيف يحكمه وأي خيارات سياسية أخرى؟.
والسياسة دائماً تستند إلى الوقائع لا إلى الرغبات والرومنسيات، لذلك فإنه من الضروري التعامل مع «المسألة السورية» دولياً على أساس المتغيرات التي جاءت بعد وضع وثيقة «جنيف1» منذ عام ونصف العام. من أهم هذه الوقائع، الإنجازات التي يحققها الجيش بعد معركة تطهير القصير. وهذا هو العامل الأكثر حسماً في بنية الواقع، لأنه في الحروب تتبع السياسة الميدان ولا تسبقه. هذا مبدأ معروف ولا يتنافى مع المبدأ القائل إن الحرب امتداد للسياسة فالسياسية بعد الحرب أو أثناءها هي غير السياسة قبلها.
أما على الساحة السياسية فبسبب هذا التغيير الميداني على الأرض السورية قامت عدة ظواهر واتجاهات جديدة. أولاً: اليوم يوجد توازن دولي جديد لم يكن موجوداً بهذه القوة قبل عام ونصف العام حيث كانت مفاعيل النظام وحيد القطب ما زالت قائمة وإن في آخر أيامها. ثانياً: إن العالم كله اليوم بدأ يعترف بوجود إرهاب واسع النطاق في سورية بل إن بعض الدول بدأت تتلمس هذا الإرهاب داخل حدودها، مثلاً العمل الإرهابي في فولغوغراد والتفجيرات في لبنان. ثالثاً: المفاعيل الإيجابية لـ«جنيف الإيراني» أي الاتفاق الإيراني مع مجموعة «5+1» حول النووي. رابعاً: الاتفاق غير المعلن بين واشنطن وطهران على دعم العراق في مواجهة الإرهاب. خامساً: استفحال الأزمة التركية واستجداء أنقرة العون من طهران. سادساً: تنازل حمد القطري لابنه فيما يشبه الاعتراف بفشله في سورية. سابعاً: الاتصالات بين سورية وأوروبا. ثامناً: السقوط المخزي لحكم «الإخوان» في مصر (وهذا واحد من أهم التحولات على الإطلاق).
لو أن الوضع اقتصر على واحد فقط من هذه التحولات المهمة لاقتضى مراجعة وثيقة «جنيف1»، فكيف بعدد كبير من التحولات التي تتعلق بقوائم الوضع الدولي والإقليمي ولا تقتصر على هوامشه؟.