في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الأكاديميّة والسياسيّة من أن الإدارة الأمريكية أوقعت نفسها في الفوضى بسبب سياساتها إزاء سورية، تعلن سورية عن مشاركتها في مباحثات الجولة الثانية من المؤتمر الدولي «جنيف2»، مؤكدةً عزمها على مناقشة بيان جنيف، بنداً بنداً، ووضع حدّ للإرهاب.
وضمن هذا المعطى، قد تعود العجلة لتدور في بحث تلك المعطيات ضمن الهوة نفسها، إذا أصرّ مَنْ سمّوا أنفسهم «معارضةً» على عدم التحرّك في مواجهة الإرهاب الذي صدّروه هم وأسيادهم إلى الأراضي السورية.
فسلسلة الرفض المتوالية لهؤلاء والقائمة على تنفيذ «السياسة المناسبة» لأمريكا، بمجرد طلب ذلك منهم، ومن دون أيّ دراية أو حتى تعقّل في دراسة الأوراق المقدّمة من الوفد السوري، تنبئ عما ستؤول إليه الجولة الثانية، وربما الثالثة، وحتى العشرون، إذا استمر هؤلاء في ترجمة لغة القُصاصات الورقية التي تشير إلى مشارب عدوانية متنوعة، تستثمر جلوس (المؤتلفين) ضمن دوامات العمل تحت إمرتها.
ولا ينفع في هذا الإطار ما أخرجه آل سعود من قرارات تقضي في لعبة الخداع البصري والشكلي بمحاسبة مَنْ ينخرط في القتال خارج المملكة، لعدة أسباب، تؤكد أثناء التمعّن فيها، أن آل سعود يستثمرون أيضاً (المواقف المناسبة التي أعلنت عنها أمريكا بشأن سياساتها في سورية) وبخاصة قبيل زيارة أوباما للسعودية.. ومن ثم خشية آل سعود من عودة هؤلاء الإرهابيين إلى أراضيهم، وبالتالي إمعاناً في إقفال طرق العودة أمامهم حتى يستمروا في القتال على الأراضي التي دفعوهم باتجاهها، ما يعني استمرار الإرهاب والإيغال في استثماره حتى الرمق الأخير.
الصورة البصرية المخادعة تتوجّه نحو الإعلام الذي بدأ (بالطنطنة) لقرار الملك السعودي، الهادف إلى صنع الرأي العام، والتنصّل، ولو شكلياً، من صيغ الإجرام وتشعباته التي أسالت الدم السوري من خلال التمويل، والتدريب، والتسليح لآلاف القتلة السعوديين الذين سفكوا دم السوريين في مخطط «الربيع الدموي».. لكن المتطلّع إلى تلك المجريات يدرك ماهية اللعبة السياسية لكاتب السيناريو الأمريكي الذي يتحكّم بالأدوات التي يشغّلها ضمن هذا السيناريو، إذ يدير المشهد الجديد، بإخراج ممثلين من على الخشبة، وإدخال مفاهيم ولاعبين جدد، انطلاقاً من فورد الذي انتهى دوره، وأدّى مهمته ببراعة في الجولة الأولى، وصولاً إلى ترتيبات التصعيد الإرهابي على الأرض السورية، وتسييس الملف الكيميائي، بغية الحصول -وضمن اللعبة ذاتها- على إمكانية إدخال عناصر جديدة أيضاً إلى ساحة (التفاوض كما يرونه) بعيداً عن لغة الحوار التي تصرّ عليها سورية التي تؤكد أن في مقدمة أولوياتها، ضرورة نشر الأمن والأمان على أرضها، بالقضاء على الإرهاب العالمي الذي مازالت أمريكا تسمي ادّعاءاتها فيه بـ«السياسة المناسبة» التي لا تثمر إلا قتلاً للشعب السوري، وتدميراً للدولة السورية.. وللجولة الثانية لغتها الساعية إلى محاربة الإرهاب أولاً، عسى ولعل تخرج الإدارة الأمريكية التي أوقعت نفسها في الفوضى الإرهابية، وتشعّب الجبهات فيها، من خدعة «السياسة المناسبة»!!.