بينما وصف الرئيسان الأمريكي باراك أوباما، والفرنسي فرانسوا هولاند، الشراكة بين بلديهما بـ«الوثيقة دائماً»، وأنها «أنموذج للتعاون الدولي»، أشارت المعطيات بوضوح إلى آلية الأطماع الاستعمارية في هذه الشراكة تجاه المنطقة، ودورها في رسم «الاستراتيجية الجديدة» في الحرب على سورية، هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى أمرين بخطين عريضين:
الأول: تمكين «إسرائيل» من خلال إرساء مشروع كيري في وثيقة «اتفاق الإطار» الذي يهدف إلى تأمين مبدأ التبادلية والاعتراف بـ«الدولة اليهودية» ضمن التسوية الدائمة التي حملها معه إلى فرنسا، مع ما تمثله تلك الوثيقة من خدمة لـ«إسرائيل» الداعم الأكبر في محاولة تدمير الدولة السورية، وفي العمل على تقسيم سورية.
الثاني: تمكين الإرهاب الذي دفعت به بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية، من إرساء دعائم هذا التقسيم المطلوب الذي خطّط له باحثو اللوبي الصهيوني في مراكز البحث الأمريكية والإسرائيلية معاً.
وإن كانت وثيقة كيري تبحث من جانب عن تمكين «إسرائيل»، فإن استراتيجية بلاده منتهية الصلاحية، تبحث عن «استراتيجية جديدة»، تقوم فيها واشنطن وحلفاؤها الغربيون والإقليميون في تركيا والسعودية وقطر بإعداد ذرائع مختلفة، ومنها، الحديث عن أزمة إنسانية في سورية، وما يسمونه مواجهة الخطر المتنامي للإرهاب الذي يقومون بتصعيده، وإذكاء ناره إلى أعلى مستويات الحريق، في محاولة لكسب أوراق مساعدة، ورئيسة في تهيئة الأجواء لتمكين الإرهاب في سورية.. ومن هنا، جاء إخراج الإرهابي بندر بن سلطان من دائرة الضوء، لإدخال محمد بن نايف إلى إدارة الملف السوري، ما يعني، حسبما أوضحه الخبير الروسي إيغور بانكراتينكو أن استراتيجية واشنطن وحلفائها الجديدة، تتضمن حصر مصادر التمويل للمجموعات الإرهابية عبر نظام آل سعود فقط، وأيضاً حصر تنسيق التحركات العسكرية للمجموعات الإرهابية في لندن، معتمدين في ذلك على مهارة الاستخبارات البريطانية ودورها الذي كان لافتاً للنظر في ليبيا.. وبما أن هذا الأمر ـ كما يقول الخبير الروسي ـ غير شرعي في نظر المجتمع الدولي، فإن الإدارة الأمريكية قامت بالتعمية على ذلك، وتلافيه من خلال تشكيل «ائتلاف جديد للمعارضة» يصورون فيه كل شيء نظيفاً، بمن في ذلك أوباما الحائز جائزة نوبل، ويصورونه بأنه صانع سلام، عبر نضاله من أجل تفادي كارثة إنسانية من دون أيّ تدخل عسكري.. ومن هنا، ينظر إلى نقل الملف السوري من يد بندر الإرهابي المعروف في المجتمع الدولي بتلطّخ يديه بالدماء السورية عبر مد الإرهابيين بالسلاح، إلى الواجهة الجديدة التي تعدّ إحدى الأدوات الداخلة إلى مسرح تنفيذ السيناريو الأمريكي ـ الإسرائيلي في سورية.
إذاً، المشروع السعودي ـ الأردني ـ الأسترالي ـ اللكسمبورغي، والمساعدات المسلحة التي أكدتها أمريكا لما سمي «المعارضة»، وما حمله التأكيد المتجدد في عرض هذا المشروع في مجلس الأمن، والمشروعات المعدة والمسيَّسة سلفاً، كلها تعد خطوةً جديدة في الملف السوري، هذا الملف الذي يعول على «الاستراتيجية الجديدة» التي دخلت حيّز التنفيذ فيه، وخاصة بعد «جنيف2»، بتحقيق المكاسب.. هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تصعيد العدوان الأمريكي في «إطاره الإنساني»، وجلبابه الإرهابي الدموي، بعدما أذهلت سورية العالم بمواجهة الإرهاب وسحق مجموعاته، وبالمصالحات الوطنية التي بدأت تلفّ مدنها وقراها.