لا خيار سوى التحصين

علي نصر الله:الثورة

في الاجتماع الدوري المُوسع لوزارة الأوقاف، لم نَستمع لخطاب سياسي قدّمه السيد الرئيس بشار الأسد، ولا لمُحاضرة فكرية غنية مَملوءة بالمعاني والدروس، إنما كُنّا مُباشرةً أمام رؤية عميقة، تَسلسلها ومَنطقيتها، مَوضوعيتها في البناء، في التفكيك والتركيب، يُرتب علينا جميعاً خاصّة وعامّة، أن نُعيد القراءة فيها مرّاتٍ ومراتٍ للوقوف ربما على ما احتوت من مَضامين غير مَسبوقة لجهة الطرح، ولجهة ما تَقتضيه من إعمال العقل، ليس بهدف الفَهم فقط، بل بهدف البحث بالعُمق في التّحديات القائمة وسُبل مُواجهتها.

تحديدُ هوية العدو الحقيقي، مَوقعه وأدواته، التيار الذي يُمثله، الأهدافُ التي يُلاحقها، الأساليب التي يَتبعها، والمصالح التي يسعى لتحقيقها. بمُواجهتها أيُّهما أكثر أهمية الرّدع أم التحصين؟ إضافة إلى الثُّنائيات الطبيعية التي تَخلق التوازن في المُجتمع، ومُحاولة العدو ضربها لإحلال مَفاهيم أخرى مُشوهة. مع كثير من الأمثلة التي طرحَها الرئيس الأسد، ما يَتعلق منها بالإرهاب، بالدِّين، بالمَخاطر ومصادرها، بالمبادئ والقيم التي يَستهدفها العدو، بالقانون وبالأخلاق وبأيِّهما أسبق على الآخر، وبالصراع الحضاري والتكامل بمَعاني الغنى والتنوع، كُنّا أمام بحث مُعمَّق وتحت مَسؤولية كُبرى تتطلب تقديم الإجابات بالعمل، بل بخطة قابلة للقياس.

الأسئلة الصَّعبة لكن المُهمة والضرورية التي تَطرحها الحالة مُتعددة الوجوه والعناصر والعوامل، التي شَخّصها بدقة الرئيس الأسد، لم تَكن مُوجهة لطائفة من الناس، من العرب أو من المُسلمين في هذا الشرق، بل للشرق بأكمله عرباً ومسلمين وسواهم ممن هم في قلب الاستهداف الليبرالي الغربي الذي يُمارس اللصوصية والهيمنة والعَولمة بأبشع أشكالها، وإن كُنّا نحن في صميم الاستهداف كهويةٍ ولغةٍ وحضارةٍ وتاريخٍ ودورٍ، تَجسّد ذلك في الحرب والعدوان والهجمة الشرسة التي تتعرض لها سورية صاحبة الدور الأبرز في التصدي والصمود والثّبات.

مثالُ البيت ببابه المَفتوح مع النوافذ، ومع غياب اتخاذ أيّ إجراءات للحماية من قبل صاحبه، ربما يُلخّص الحالة بعبقرية، ويُشير باختزال ووضوح تام إلى أصل المُشكلة، وإلى حجم المسؤولية في التصدي لما نَتعرض له دولاً وشعوباً ومُجتمعاتٍ، ذلك بوجود الشرطي والقوانين من عدمه، لأن المسؤولية أولاً تُلقى على عاتقنا، لا على المخفر ولا على اللص أو الجهة التي تُمارس اللصوصية.

إسقاطاتُ هذا المثال المباشرة ماثلة واضحة تتمثل باللصوصية التي تُمارسها أميركا والغرب بكل الاتجاهات، وتتجسّد بعجز المؤسسات التي ينبغي أن تَضبط اللصَّ تَطبيقاً للقانون الدولي المَوجود، لكن غير المُطبّق والذي تتجاوزه وتَزدريه هذه الأطراف الدولية التي تتطاول على الرموز والمُعتقدات، على الفكر ببُعده الحضاري، وعلى المبادئ والقيم، وليس فقط على المُقدرات والمُمتلكات والثروات الوطنية، فما الواجب القيام به؟ التَّحصين الذاتي، فاليوم لا خيار سوى التحصين، بل يبدو التحصين أهم من الردع، ذلك بغياب العوامل الأخرى.

الأمثلة الأخرى التي طرحَها السيد الرئيس، والأسئلة التي تُحرّض على الفعل وطيِّ صفحات العجز أو تلك التي تَجعل الآخر – العدو – يَستنتج عدم القدرة على الفعل الذي لا يَتخطى الغضب والانفعال الآني، فضلاً عن العجز بوضع خطة، أو تقديم صورة أخرى، أو ابتداع وسائل حماية رادعة مُجدية، إنما تَضعنا كمُجتمع بنُخبه وفعالياته ومؤسساته أمام تحديات صناعة مَواقف تُنتج عوامل الأمان والاستقرار اللازمة، تَجبَه الهجمات المُتتالية، تُحبط المُخططات، وتُؤهل لكسب المعركة، فتَمنع أدوات التخريب وأصحابها من بلوغ غاياتهم.

الرسالة السورية التي صاغَها الرئيس الأسد بمُرافعة فكرية غنيّة، لا شك أنّ الصمود السوري الأسطوري بمُواجهة الحرب الكونية التي تَعرّض لها شعبنا ووطننا، هو أحد وجوه هذه الرسالة الحضارية الواعية المُدركة لأبعاد الصراع، والتي لا يَغيب عنها حساباً لتفصيل من التفاصيل، غير أنّ المطلوب من الآخرين هنا، في هذه المنطقة وهذا الشرق التَّحلي بمَقادير الوَعي اللازمة، لطالما أنّ المعركة كبيرة، ولطالما أنّ السياسة الدولية تُدار بعيداً عن القانون، وبصفر أخلاق، فالخطر كبير، وصدّ الخارجي منه يَبدأ من التحصين الذاتي الداخلي.. أين مَن يُموّل التكفير والتطرف من هذا، وهم ذاتهم مَن يُمولون حَملات الانحلال الأخلاقي بالعَولمة وأساليبها في التشويه؟.

اخبار الاتحاد