انتهت الجولة الرابعة من اجتماعات لجنة مناقشة الدستور التي انعقدت في جنيف بمشاركة الوفد الوطني السوري والوفود الأخرى، وكما هو متوقع من دون نتائج ودون طموحات الشعب الذي ضحى وصبر وقدم ما لم يقدمه شعب آخر منذ فجر التاريخ وذلك بسبب تعنت وتمترس الوفود الأخرى بأجندات مسيسة مسبقاً، وهذا ليس بجديد عليها، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون صراحة بقوله: “نحاول علاج أزمة غياب الثقة بين الأطراف السورية”، وأضاف”: “إذا تمكنا من بناء الثقة داخل اللجنة سيكون لذلك أثر إيجابي على باقي الملفات”.
بيدرسون خبر انحياز وتعطيل الأطراف الأخرى وأسيادها وهي تدعي “حب الشعب السوري والعمل على مساعدته” بينما الحقيقة تؤكد غير ذلك من محاولات تسييس ملف اللاجئين والمتاجرة بهم وبالملف الإنساني لغاية استغلال الأيدي الماهرة والرخيصة من جهة، ومن جهة الاستجداء عليهم والتلويح بهم بفتح الأبواب وطرق تسهيل تهريبهم إلى أوروبا والأهم منعهم من العودة إلى ديارهم للإسهام في إعادة الإعمار ، ديارهم التي عاث الإرهابيون ومشغلوهم نهباً وتدميراً.
بيدرسون نطق حقاً يُراد به حق، وقد تكون هذه هي المرة الأولى، وهو يعي ذلك، وهو من تابع مؤتمر عودة اللاجئين الذي انعقد في دمشق مطلع تشرين الأول ولمس مدى الاهتمام والرعاية الصادقة من الدولة السورية لعودة اللاجئين إلى وطنهم ، وهو في الوقت ذاته يعلم علم اليقين من الذي عرقل ويعرقل اليوم عودتهم ويستثمر في معاناتهم سياسياً واقتصادياً وإنسانياً، ولا يتوق لدولة قوية ذات سيادة وإنما لكراسي السلطة فحسب.
الدولة سورية بذلت كل الجهود وعملت المستحيل لتفكيك خيوط الأزمة وآخرها الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة وهي تعلم علم اليقين عدم جدية الأطراف الأخرى المشاركة، لأنها تراهن على الأصيل المشغل “الأمريكي- الصهيوني والنظام التركي” وبعض العربان الذين استساغوا طعم الانبطاح والتطبيع مع الكيان الصهيوني بلا ثمن، لكن كمن يتذوق العسل المشرّب بالسم.
الدولة السورية أعلنت مراراً وتكراراً التزامها بالمسار السياسي لحل الأزمة، وبذات الوقت جاهزة لمواجهة آخر فصول الحرب الكونية المفروضة عليها منذ ما يقارب عشر سنوات، جربت بها دول العدوان كل فنون وأصناف الحيل والمؤامرات، بدءاً من زج الأسلحة المحرمة دولياً في الجغرافيا السورية مروراً بافتعال مسرحيات تمثيلية كاذبة لاستعمال الأسلحة الكيميائية، وصولاً إلى ما يسمى “قانون قيصر”، والدولة السورية بجناحيها الشعبي والرسمي تدرك هذا جيداً فهي التي خبرت أساليبهم منذ حصار ثمانينيات القرن الماضي بسبب مواقفها القومية، بل تعي أيضاً أن تحالف العدوان لن يدخر أي ابتكار أو أسلوب أو طريقة لافتعال أي أزمة “لإجبار” قلب العروبة النابض على الالتحاق بقافلة المطبعين والمستسلمين، ومن الطبيعي ألا يروق للمشغل الأصيل مناقشة قضايا سيادية كالهوية وعودة اللاجئين والسيادة وخروج المحتلين الأمريكي والصهيوني في اجتماعات اللجنة خلال الجولة الرابعة وخاصة عودة اللاجئين التي تمسك بها وركز عليها الوفد الوطني كمبدأ وطني مطلق لما له من أهمية إستراتيجية لكونه وطنياً وأخلاقياً وإنسانياً وأبوياً، بينما هو مسيس وتكتيكي عند الذين تباكوا على اللاجئين لغايات الابتزاز السياسي تارة والاقتصادي تارة أخرى وهدفهم تغيير الدستور لغاية في أنفسهم للوصول للسلطة وتعطيل الحل السياسي للأزمة بعد أن فشلوا في إخراج الأعمال العدوانية كما رسموا لها وتمنوها، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما مارسوا كل أساليب الترويع والترهيب والتخوين للأفراد والمؤسسات والدول التي تود المساعدة في عودة اللاجئين إلى وطنهم الأم سورية..
فها هو أردوغان سليل النظام “الإخواني” يمارس حتى الساعة كل فنون الغطرسة والقوة والاحتلال والسرقة والنهب منذ عشر سنوات للجزيرة السورية وللحدود الشمالية الشرقية بطول 822 كم ليكون عمق 35 كم عبر التتريك وفرض العملة التركية وتغيير أسماء المدن وآخرها نهب آثارها التي تحكي تاريخ سورية العريق.
أما الأمريكي الذي يحتل الجزيرة السورية ويسرق نفطها وغازها ومحاصيلها الإستراتيجية في رابعة النهار ويزرع قواعده العسكرية غير الشرعية على امتداد الحدود السورية مع الأردن والعراق لإدخال وإخراج إرهابييه بانسيابية، وآخرها فرض “قانون قيصر” لمنع الطعام والدواء عن الشعب السوري لمعاقبته لارتباطه بأرضه وكرامته خلف قيادته، فيما لعب الكيان الصهيوني دور المنفذ الذي يعتدي بين الفينة والأخرى على مواقع سورية بحجة الشماعة الإيرانية كلما تم التضييق على الإرهابيين في الشمال السوري.
بينما مات العربان بغيظهم من عودة الأمن والأمان وتحرير معظم الجغرافيا السورية من الإرهابيين رغم كل ما أنفقوا من خزائنهم حتى أفرغت لغاية رعاية الإرهابيين وتسليحهم وافتعال مسرحيات “كيميائية” عبر ماكيناتهم الإعلامية في مسارح معدة مسبقاً.
بات القاصي والداني يعي جيداً الدور التدميري الذي مارسته وما تزال تمارسه الدول الراعية المومأ إليها والراغبة بالأعمال العدوانية حتى الساعة للتأثير بمجريات المسار لسياسي، ومن يريد إفشال المسار السياسي هو من يريد استمرار الإرهاب وتدمير المزيد من البنى التحتية والفوقية وتشديد الحصار يوماً بعد يوم، لذا الشعب السوري لم يعول على نتائج هذه اللجنة، وعينه وقلبه على ومع بواسل الجيش العربي السوري وقيادته الحكيمة في تحرير كامل الجغرافيا السورية من الإرهابيين والمحتلين الأمريكي والتركي.