نظرة على سياسة جو بايدن
ريا خوري
بعد الإعلان عن فوز المرشّح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن بالمقعد الرئاسي، لابد من استرجاع تاريخ سياسات الولايات المتحدة في العهود الرئاسية السابقة، وماذا ستكون عليه بعد هذا الفوز، حيث بدأت تتكشَّف أمور كثيرة، من بينها اسم الذي سيتم تعيينه لمساعدته في إدارة شؤون الحكم، وتحديد مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية.
على الرغم من التسليم بجوهر وبنية السياسة للإدارات الأمريكية المتعاقبة في العصر الحديث، وتناوبها بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، إلا أن الدفاع عن المصالح الأمريكية وموقع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى يختزل جميع السياسات الأمريكية، لأن كل الوسائل والطرق مشروعة من وجهة نظر الإدارات الأمريكية جميعها، بما في ذلك استخدام الدبلوماسية الناعمة، ودبلوماسية حاملات الطائرات والصواريخ البالستية عابرة القارات، وحتى القنابل النووية.
لكن الاستراتيجيات والتكتيكات التي يمارسها الرؤساء الأمريكان مختلفة من رئيس لآخر حسب المنهج المتبع، وما تريده الكارتيلات الكبرى، ومجمعات الصناعات الحربية، والشركات عابرة الحدود والقوميات والقارات، تلك السياسة لا شك أنها تعكس موقف الحزبين الرئيسيين اللذين يتناوبان على الحكم، إلا أن الاختلاف بينهما يتركز على المنهج وطريقة التنفيذ، وبخاصة في المجال الاقتصادي، فالاقتصاد بالنسبة للديمقراطيين يعتبر موجهاً ومدروساً بعناية كبيرة، أما الجمهوريون فيمارسون الاقتصاد الحر، وهذا يعني بوضوح شديد حالة التناوب بين التضخم والانكماش، وبين حضور دولة الرفاه وغيابها، غير متناسين الفروق الشاسعة جداً في مجال السياسة الخارجية، هذه الفروق لا تعكسها سياسة الحزبين فقط، بل أيضاً شخصية الرئيس وما يملك من كاريزما وقوة وسطوة، ومن معه من طاقم العمل المحيط به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن للسياسات الاقتصادية الداخلية تأثيراً كبيراً على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فتوجيه خزينة الحكومة الفيدرالية باتجاه معالجة القضايا الداخلية يقتضي بالضرورة تقليص مصاريف سباق التسلّح، ومصاريف الدفاع الباهظة، وهذا يعني ضرورة السعي الحثيث للاتفاق مع جمهورية روسيا الاتحادية من أجل تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات السابقة لوقف سباق التسلّح، بخاصة في المجال النووي.
بالطبع سينعكس ذلك على الموقف من الأزمات الدولية الأخرى الصعبة جداً، وبشكل محدد الاعتماد على الحروب بالوكالة بدلاً من الحروب المباشرة باستخدام قوى يمكن صناعتها بسرية تامة أو بشكل مباشر، وباستخدام كل أساليب الاستخبارات، لكن ذلك لا يعني غياب الاستثناءات، لأن دستور الولايات المتحدة يفرض على الرئيس الأمريكي مهمة حماية الأمن القومي لبلاده، وأن ذلك قد يقتضي شن حروب استباقية دموية، في هذا المنحى يمكننا أن نشير إلى أن أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة هي حرب فيتنام، حيث اتسعت تلك الحرب لتشمل كمبوديا ولاوس، وكانت بداياتها في عهد الرئيس جون كينيدي من الحزب الديمقراطي الذي أرسل خمسة آلاف جندي لحكومة سايغون في فيتنام الجنوبية لدعم الحكومة، وتوسعت دائرة الحرب إثر اغتياله بتاريخ 22 تشرين الأول عام 1963، وتسلّم نائبه ليندون جونسون الرئاسة من بعده، وهو الذي صب الزيت على النار أكثر من سابقه، حيث تجاوز تعداد القوات الأمريكية المهاجمة ضد فيتنام ولاوس وكمبوديا نحو خمسمئة ألف جندي، وخسرت الولايات المتحدة في تلك الحرب الدموية الطاحنة أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي، ومئات الآلاف من الجرحى، وعشرات الآلاف من المفقودين، ما عدا المرتزقة الذين لم يدخلوا في جداول الإحصاء، وانتهت الحرب بعد مفاوضات ماراثونية شاقة في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون من الحزب الجمهوري.
من المتوقع أن يقدم الرئيس جو بايدن على العودة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب، بخاصة معاهدة المناخ، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، أما ما يخص الاتفاق النووي الإيراني فلا شيء محسوماً حتى الآن، وهذا الأمر بالذات يعمل الكيان الصهيوني بكل طاقته على إعاقته. كما يقع على عاتق بايدن العمل على إعادة الدور التقليدي للسياسة الأمريكية كما كانت عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن يقوم بطي صفحات العزلة التي فرضها ومارسها ترامب، وبشكل خاص مع الحلفاء في القارة الأوروبية، ومع الصين واليابان، وإلغاء سياسة الابتزاز الاقتصادي، والتلويح المستمر بالعقوبات.
أما العلاقة الأمريكية مع الدول العربية فستكون محفوفة بالشكوك وعدم الثقة، لأن سجل الرئيس الأسبق باراك أوباما من الحزب الديمقراطي، الذي كان جو بايدن شريكاً فيه، تركز على إشعال المزيد من الحرائق والعواصف التي عرفت بـ (الربيع العربي) تحت ذريعة نشر الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وهو أمر يجب أن يوضع في الحسبان، والتعامل معه بجدية ودونما تردد لما له من تأثير كبير ومباشر على سلامة الأمن الوطني، وحتى على الأمن القومي للأمة العربية.