قد يحمل صندوق الاقتراع مفاجآت، لكن التحليل المستند إلى العقل والتجربة، وهما طرفا المعرفة، يؤكد أن حظوظ المرشح الرئاسي الدكتور بشار الأسد طاغية، ولا يتعلق الأمر بتاريخ قيادته للبلد طوال أربعة عشر عاماً فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الحاجة الوطنية إليه في المستقبل أيضاً.
المتقدمون إلى حلبة المنافسة الرئاسية من أجل كسب ثقة الناخب متساوون شكلاً، لكنهم متفاوتون مضموناً، أي متفاوتون بطاقاتهم واستعداداتهم، والشعب في النهاية هو الحكم عبر صندوق الاقتراع، لأن الديمقراطية لا تعني اختيار واحد من بين مجموعة، وإنما تعني اختيار الأفضل، طاقة واستعداداً، والشعب في بلدنا اليوم بحاجة إلى قائد لا رئيس، ليس لأننا في مرحلة انعطافية يتجدد على أساسها المستقبل فحسب، بل لأن هذه الـ»سورية» في حالة حيوية وتغيير مستمرين، لسببين: الأول أننا عرضة لتدخل خارجي ومؤامرات بشكل دائم، والثاني الحاجة الملحة إلى عملية بناء وتقدم حادة في جميع المجالات.
والفرق بين القائد والرئيس واضح، فالقادة صنّاع تاريخ ويتركون بصمات عميقة على الأحداث عقوداً طويلة، بل منهم مَنْ يسهم في تغيير نسق الحدوث التاريخي فيصبح الواقع به وبعده غير ما كانت تجري عليه الأمور، أما الرؤساء فهم شخصيات عادية تؤدي وظيفة تنتهي بانتهاء ولايتهم.. الرؤساء يمكن إبدالهم بغيرهم من دون أن تختلف الوقائع، أما القادة فإن ذهابهم يشعر به كل ركن من أركان الواقع.
التاريخ السياسي للشعوب كلها – وكذلك راهنهم – يعرف دور القادة وأداءهم المتميز، لا يستثنى من ذلك بلد متطور وآخر متخلف، وتتساوى فيه الثقافات والجغرافيات، فهل تمكن مقارنة صلاح الدين مثلاً بمن كانوا قبله أو جاؤوا بعده؟ أليس من العدل الاعتراف بتميّز عبد الناصر وحافظ الأسد ونوعية أدائهم في التاريخ العربي المعاصر؟ هل تمكن مقارنة نابليون وديغول بالعشرات من الرؤساء الفرنسيين قبلهما وبعدهما؟ أليس من الطبيعي توقع فوز ساحق لديغول لو نافس في انتخابات رئاسية شخصاً مثل هولاند أو ساركوزي؟ ولنذهب إلى الدولة التي تدّعي أنها بؤرة الديمقراطية، الولايات المتحدة، هل تمكن مقارنة واشنطن وجيفرسون ولنكولن ومونرو بعشرات الرؤساء غيرهم؟ ألم ينتخب الأميركيون في أربعينيات القرن العشرين فرانكلين روزفلت أربع مرات متوالية على الرغم من أن الدستور يسمح بمرتين فقط؟
لنتذكر مقولة المفكر الهندي بيلاي فقد أشار إلى حقيقة أن التعامل المتساوي مع غير المتساوين (بطاقاتهم وإبداعاتهم) يسيء إلى المساواة الحقيقية.. فهل بقي مَنْ يستغرب لأن حظوظ المرشح الرئاسي الدكتور بشار الأسد طاغية واحتمالات فوزه مسيطرة؟ فسورية اليوم بحاجة إلى قائد لا رئيس..