على هامش المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين : هل الإعلام بخير ..؟يونس خلف

إذا اعتبرنا كل ما أثير في المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين  نوعاً من الاختبار للمزاج الإعلامي أو فرصة لتأسيس علاقة الفهم المشترك مع الحكومة لمفهوم تعزيز ثقة المواطن بالدولة من خلال قيام الحكومة بتعزيز هذه الثقة بالعمل المنتج الذي يؤثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وأيضاً من خلال قيام الصحافة بدورها . وهي مناسبة أيضاً أن ننظر إلى الأمور على امتداد العين ولا نحصر النظر بزاوية واحدة هي عدم تلبية الحكومة لمتطلبات الصحفيين على أهمية هذه المتطلبات . أقول إذا اعتبرنا هذه المحطة فرصة لانطلاقة جديدة فإن التأسيس المتين لهذه الانطلاقة يتطلب وضع النقاط على حروفها المناسبة وتوصيف الأمور بكل شفافية .

لست من هواة المجاملة لابل المعروف عني طيلة سنوات الخدمة والآن بعد انضمامي إلى صفوف المتقاعدين منذ بداية العام الحالي أن كلمة الحق لم تترك لنا صاحباً  ، ولذلك هي ليست مجاملة عندما أقول إن حديث السيد وزير الإعلام في المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين هو من حيث الشكل يؤسس وبكل حرص لعلاقة شراكة بين وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين، والكلام الذي قاله يعكس الرغبة في أن يكون اتحاد الصحفيين قوياً وفاعلاً وشريكاً في تطوير العمل الإعلامي .. والحق مع السيد الوزير عندما كان ينتظر من أعضاء المؤتمر أن تكون هناك أسئلة ومراجعة شاملة يمكن من خلالها الاطلاع على ما فعلته وزارة الإعلام وما هي هموم المهنة .. وأنه يريد أن تكون هناك شراكة حقيقية بين الوزارة والاتحاد . ولكن :

من المهم أيضاً أن نقر بوجود حقائق تتصل أيضاً بهموم المهنة يتم تجاهلها أو ترحيلها أو التريث المزمن وكأن المطلوب أن تموت هذه القضايا بالتقادم .

أولى هذه الحقائق أن  حرية الإعلام مصانة ومكفولة في دستور  الجمهورية العربية السورية وفي القوانين الناظمة للإعلام وأن من حق بل من واجب الإعلامي الإشارة إلى مواطن الخلل والأمور السلبية في عمل الحكومة  إن وجدت وخلال كل البيانات للحكومات  المتعاقبة يتم التأكيد على حرية العمل الإعلامي وضرورة دعمه بكل السبل المتاحة وضرورة الانفتاح على كل وسائل الإعلام وتوفير المعلومات اللازمة وتقديم التسهيلات لعملها . لكن واقع الحال يختلف كثيراً .

دعم الإعلام وتأمين الظروف الحياتية التي تسهم في قيام الإعلاميين بمسؤولياتهم وعدم التدخل بالعمل الإعلامي من خارج الإعلام وو… نقول ذلك لأن خدودنا تعودت على اللطم مرة تعاميم ومرة حجب معلومات ومرة التدخل لوضع حد لجرأة صحفي أو التوسط  لمعاقبة صحفي .

هل نستطيع مثلاً أن نتجاهل  أننا لم نصل بعد إلى موقف واحد موحد من الإعلام مع كل الحكومات المتعاقبة ..؟ فالموقف الذي كان ولا زال هو إما أن يخضعوا الإعلام  لهم ليكون دعائياً وإما أن يمنعوه بالتعاميم والقرارات وإما يتجنبوه لحجب الواقع عن حقيقته  وإما تكون هناك تدخلات من خارج الإعلام  .

الإعلام السوري إعلام وطني ويدرك كل إعلامي أنه يعمل ويكتب وينتقد ويقدم رؤيته تحت سقف الوطن وبما يعزز موقف الدولة وبالمقابل يمتد هذا الإدراك إلى أن تأييد الدولة لا يتطابق مع ضرورة تأييد كل ما تقوم به الحكومة لأن من مهمات الإعلام ممارسة الرقابة والكشف عن الأخطاء ولأن تأييد كل ما تقوم به الحكومة ينفي المهنية الإعلامية التي تتطلب الموضوعية ونقل الرؤية الجماهيرية بكل مصداقية بما فيها من آراء ومعاناة وطلبات وبالتالي لا يمكن أن يتحول تأييد الحكومة في كل ما تقوم به إلى قناعة في الوعي الشعبي الجمعي .

نحن إعلام دولة ولسنا إعلام حكومة فالحكومة تتغير وما نراه في أداء حكومة أنه يسير بالشكل الأمثل قد لا نراه في حكومةٍ غيرها . حق الحكومة أن يعرض الإعلام الرسمي وغير الرسمي مشاريعها وبرامجها ووقائع عملها للناس بالشكل الصحيح لكن حق المواطن أيضاً أن يتم نقل الواقع على حقيقته .

ما يجب أن ننتبه إليه جميعاً نحن في الإعلام وأيضاً الحكومة أن طبائع الأمور قد تغيرت وتبدلت الأحوال واتسعت مصادر الخبر والمعلومة فأصبح الكلام الذي يخلو من أي معنى استهتاراً بالمواطن المتلقي وتهميشه . الإعلام نفسه يجب أن يمتلك قوة الدفاع عن نفسه بالشفافية والموضوعية والعلمية وتمتين خندقه الدفاعي بالحقائق والوقائع التي تؤكد أنه إعلام جماهيري وإعلام للوطن والمواطن إعلام يتعامل مع الإقناع ولا يقبل الإخضاع  . لكن المشكلة عندما يتخلى الإعلام عن أسلحته فيتحول إلى دريئة بدلاً من أن يكون سلاحاً ولذلك نكرر من جديد أن المشكلة فينا وليست بغيرنا ..وإلا ماذا يعني أن يتم ترحيل المطالبة بمعالجة طبيعة العمل الصحفي .. وماذا يعني أن يعاني الصحفي السوري من صعوبات حتى في الاستمرار بالحياة لجهة وضعه المعيشي السيء لأن فرص العمل المتاحة مقتصرة على الحقل الإعلامي فقط فكيف يمكن أن يتحسن وضعه المعيشي إلا من خلال دعم هذا الحقل ومن يعمل فيه ..؟ .

ثم هل نستطيع أن نتجاهل ما يعاني منه الصحفي اليوم من الإفراط في استدعاء الصحفيين واستجوابهم نتيجة تطبيق قانون الجريمة الالكترونية حيث أصبح أي شخص أو حتى أي مسؤول يريد الانتقام من صحفي نشر مادة صحفية في وسيلة إعلامية أن يتقدم بشكوى ليتم استدعاء هذا الصحفي واستجوابه وغالباً يتبين أنه لا تتوفر الأسباب الموجبة للاستدعاء .. أيضاً هل نستطيع أن نتجاهل أن ظروف العمل والمنغصات وقيود النشر تصنع إعلاماً قوياً ..؟.

وبالعودة إلى حديث السيد وزير الإعلام فإن الهاجس الأكبر كما قال هو النزف الكبير بالكوادر لكن بالمقابل ثمة خلل في التعامل مع الكوادر الموجودة والاستغناء عن كفاءات وخبرات إعلامية تصبح خارج الجسم الإعلامي لمجرد التقاعد على سن الستين .

فهل لدى وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين خطة أو آلية عمل تستفيد من هذه الخبرات في إغناء العمل الإعلامي بدلاً من هجرتها إلى أجسام أخرى غير جسم الوطن .

اخبار الاتحاد