عن الصحافة والصحفيين.. في عيدنا. ديب علي حسن

ربما يكون الأمر أكثر مرارة من العلقم ونحن نتحدث عن الصحافة والصحفيين وبالوقت نفسه ثمة نقيض آخر تماماً، إنه لأمر يدعو إلى الاعتزاز بما أنجزه الإعلام السوري خلال عقود من الزمن وكانت حصيلته في العقد الأخير بمواجهة إمبراطوريات إعلامية عدوانية إمكاناتها الهائلة والضخمة لم تكن حصنها الذي يمكن أن يقيها من التصدع والعري والانهيار أمام قدرة ومهنية الإعلام السوري المقروء والمسموع والمرئي الذي تسلح بالوعي والإرادة والثبات والقدرة على اجتراح النصر وتعرية أساليب الغزو والتضليل الإعلامي المعادي.
وربما يخطر ببال أحد ما السؤال : أين المشكلة.. ولماذا الشكوى؟
هذا سؤال مشروع ومن حق الجميع طرحه..
وفي الإجابة أن واقع الحال يجيب على ذلك تماماً.. الإعلام ليس بخير الآن أبدا .. ليس كرسالة ودور إنما كواقع عمل لا يجد البيئة التي يجب أن تكون في أدنى شروطها، وهنا نعني القدرة المادية والإمكانات التي تتيح له أداء مهمته وليس من باب تضييق حرية الرأي والتعبير عنه.. بل يمكن القول إن هذه الدائرة قد اتسعت أكثر مما يجب وأصبحت أقرب إلى الفوضى.
وثمة من عمل على استغلال ذلك بذكاء ممن يجب أن يكون الإعلام سلطة رابعة ورقيباً عليهم من خلال مقولة تداولها هؤلاء: دعهم يكتبوا ما يريدون ونحن نفعل ما نريد.
حتى عادت مقولة (حكي جرايد) إلى الاستهلاك اليومي أي باختصار: لا قيمة للحبر الذي تكتبون به.. ولا أحد يعبركم .
في بيتنا الداخلي الأسئلة المرة بلا حدود.. قانون إعلام جديد من سنوات.. رفع سن التقاعد من سنوات.. تعويضات طبيعة العمل من سنوات.. استكتاب الصحف الورقية المغيبة لا يساوي ثمن سندويشة شاورما..
اتحادنا الذي لم يستطع الحفاظ واستثمار الكثير من موارده ومازال يدور في فلك رفع المذكرات وبانتظار الرد: العبارة المشهورة.. التريث..
أمس كان الاحتفال بعيد الصحفيين السوريين الذين التقوا في ناديهم بعد غياب قسري لا أحد يعرف كواليسه.. كان اللقاء فرصة للسلام والكلام إذ لا مجال لهم للقاء آخر. فمن يستطيع أن يدعو زميله لشرب فنجان قهوة بمكان ما..
وحتى في هذا النادي لن يستطيع.. فلا لقاء ولا تواصل ولا تفاعل، والغريب في الأمر أن اتحادنا يتحدث عن إنجاز ندوات ومباريات وغير ذلك وينسى دوره الأساس طبعا على أهمية الدور الفكري.. في الاحتفال المذكور ثمة من تحدث عن أمجاد الصحافة السورية في الخمسينيات.. لن نختلف معه بذلك ولكنها كانت بنت شرطها الداخلي والتاريخي وإذا وضعت على طاولة النقد فهي ليست في معظمها إلا صحافة إثارة وتناحر بين كتل سياسية حينها لها ما لها وعليها أكثر مما لها.
اليوم ثمة من يملك القدرة على الفعل ولكن لماذا لا نجد التنفيذ على أرض الواقع..؟
المشكلة أن كثرة الأوصياء ممن ليس عملهم ولا شأنهم تجعلك تشعر أن كل من حولك مسؤول عنك وأنت لست مسؤولا عن نفسك..
كيف لوزارة ما ليست معنية بطبيعة عملك ومهنتك أن تقرر لك ما شكل عملك وتقول لك: الآن قد انتهى دورك؟
كيف يزداد رقم الطاقات والخبرات التي يلقى بها إلى رصيف التقاعد وقد نضجت الخبرة وصقلت وثمة من ينقل عن جهة ما قولها (قعدوا بالبيت)..
من الصمت المريب حول ذلك إلى كل ما في قائمة القضايا البسيطة التي تراكمت حتى صار هذا السواد يمكن ببساطة حلها لو كان لدينا اتحاد فعلي عبر عقود من الزمن ولو كان ثمة جهات حكومية نافذة تريد حلها..
الأمر تراكمي ويزداد ونحن بأمس الحاجة إلى قرارات جريئة مهمة والى تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد بشأن الإعلام وما أكثرها وأجملها وأنبلها..
العلة فينا نحن، اتحادا ومؤسسات حكومية نافذة..
إعلامنا اليوم بمن يعمل هو الأقوى والأنقى والأنبل وعلى من يبكي إعلام الخمسينات أن يكون مع الإعلام أن يدعو الجميع لطاولة البحث والحلول..
أم هل ننتظر العيد المقبل حتى نتناول كأس عصير كريفون ثلاثة أرباعه ماء وننتزع حبة شوكولا ملصوقة بالورق حتى لا يستطيع أحد أخذها..
كل عام وأنتم بخير.. سفر آمن ومريح لمن يسافر وكرسي لدورة كاملة لمن يعمل أو لا يعمل.. لم نقصر يوماً ما.. لا تبخسونا حق دورنا المعنوي.. سامحناكم بما يجب أن توفروه لنا ومازلنا ننتظر التريث..

اخبار الاتحاد