الرفيق د. خلف المفتاح
عضو القيادة القطرية للحزب
لم يكن في وارد واهتمام السلطة الوطنية السورية، المنبثقة عن إرادة الشعب السوري الحرة، في يوم من الأيام، صدور أي إشارة اعتراف بشرعيتها أو أهليتها للسلطة من أي جهة أو مسؤول سياسي، فهي تستمد شرعيتها من مصدرها الوطني، ولهذا السبب لم تعر أي اهتمام لأي تصريحات أو دعوات تصدر من خارج سورية حول أهلية نظامها السياسي ومؤسساته ودرجة تمثيلها للشعب العربي السوري. وعلى هذا الأساس لا تنتظر الحكومة السورية من أي جهة في العالم، سواء أكانت صديقة أم معادية، أي حديث عن ذلك، خاصة عند انعقاد لقاءات أو مؤتمرات يتمّ التعرّض خلالها للأزمة في سورية، فما يهمّ الحكومة السورية والشعب السوري هو الموقف من الإرهاب ومكافحته ومحاربته، ودرجة انخراط الدول المعنية في الحرب عليه في حيثياته، وإمكانية التزامها بمواقف عملية وملموسة في مواجهته.
لقد ركزت وسائل الإعلام العالمية على زيارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إلى جمهورية الاتحاد الروسي، وتساءلت عن انعكاساتها على الأزمة في سورية، من زاوية ما سيصدر من تصريحات عن المسؤولين الأتراك تتعلق بالعلاقة مع الحكومة السورية، مع رهان على تحوّل في الموقف التركي الداعم للعصابات الإرهابية، سيما وأن الأراضي التركية تحوّلت إلى حاضن للإرهاب الدولي، ونقطة استقطاب له، ومضخة تدفع بالإرهابيين إلى العمق السوري.
إن الجميع يدرك أن الحكومة السورية لا تعنيها التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأتراك بشأن البنية السياسية في سورية، فهذا شأن حصري بالسوريين لا غيرهم، وإن ما يثير اهتمامها، واهتمام المجتمع الدولي، من الزيارة المشار إليها، هو هل ثمة تحوّل في موقف تركيا من دعم الإرهاب، كونها مركز تجمع الإرهابيين ومضختهم باتجاه الجغرافيا السورية؟ وهل ستغلق تركيا حدودها في وجههم، وتمتنع عن استقبالهم وتسهيل دخولهم الأراضي السورية، وتدريبهم، إضافة لكونها سوق تصريف مسروقاتهم من بترول وآثار وغيرها من مصادر الثروة والطاقة في سورية؟ حيث تشكّل هذه أحد أهم موارد العصابات الإرهابية لشراء الأسلحة واستقدام الإرهابيين والمرتزقة وغيرهم ليستمروا في سفك دماء السوريين وتخريب وتدمير المؤسسات العامة والخاصة فيها خدمة للقوى الخارجية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني العدواني.
إن الأكثر أهمية من كل ذلك هو ليس ما يصدر من تصريحات تتحدّث عن حل سياسي ومكافحة للإرهاب وشراكة في الحرب عليه، وإنما ما يجري على أرض الواقع، وفي مسرح الصراع وجبهات القتال، حيث لا مؤشر حقيقياً على أي تحوّل في هذا المجال، لا بل إن العصابات الإرهابية، بتسمياتها المختلفة، ما زالت تتحرّك بحرية تامة عبر الأراضي التركية، ومن خلالها وتتلقى كل أشكال الدعم العسكري والبشري عبر البوابة التركية.
إن الحديث عن شراكة تركية مزعومة في الحرب على الإرهاب ما هو حتى الآن إلا خداع وتضليل وابتعاد عن الحقيقة، فكيف لتركيا- أردوغان- المنخرطة في الحرب الإرهابية على سورية، عبر دعمها واحتضانها وتسويقها للجماعات الإرهابية، أن تتحوّل إلى محارب للإرهاب؟! فإذا كان من موقف تركي عملي في هذا المجال فإنه يتجلّى بتوقف تركيا عن دعمها للجماعات والعصابات الإرهابية، أو الحد من ذلك من خلال عدم استقبالها للإرهابيين عبر مطاراتها، وإغلاق حدودها في وجوههم، وكذلك منع تصريف سرقاتهم للثروات السورية في أسواقها أو عبرها.
إن على مدّعي الحرب على الإرهاب، والساعين لحل سياسي للأزمة في سورية، إثبات ذلك بالسلوك والمواقف العملية القابلة للقياس، عبر أدوات وآليات شفافة وممكنة، فلم تعد التصريحات والبيانات كافية في هذا المجال، لأنها أصبحت من قبيل لزوم ما لا يلزم.