بوتين يستغل إرباك واشنطن: توسيع حجم العمليات العسكرية في سوريا

على وقع التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن روسيا قرّرت توسيع رقعة عملياتها العسكرية على الأراضي السورية، مستفيدة من إعادة علاقاتها مع تركيا إلى سابق عهدها، بعد أن كانت قد توترت على خلفية إسقاط طائرتها العسكرية في العام الماضي، بالإضافة إلى حالة الجمود التي تسيطر على القرار الأميركي، بعد أن دخلت الولايات المتحدة في مرحلة السباق إلى البيت الأبيض، بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون.
بالتزامن، تسعى موسكو إلى بناء تفاهم مع واشنطن حول الملف السوري، كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر قد ألمح إليه قبل أيام، بالرغم من نفي وزارة الخارجية الأميركية له، ما يؤشر إلى تداخل بعض المعطيات العسكرية والسياسية.
في هذا السياق،، يمكن رصد مشاركة القوات الجوية الروسية بشكل لافت في المعارك على جبهة مدينة حلب، بعد أن كانت قد إنسحبت منها نتيجة إتفاقات الهدنة المتكررة مع الولايات المتحدة، والتي استغلتها قوى المعارضة المسلّحة لإعادة تجميع قواها، بحيث باتت المواجهة في هذه الجبهة أولوية، بعد أن كان التركيز على التوجه نحو معقل تنظيم “داعش” الإرهابي في مدينة الرقة، وهي العمليّة التي توقّفت نتيجة المقاومة الشرسة التي أظهرها عناصر “داعش”.
في السياق ذاته، جاءت تصريحات المسؤولين الأتراك عن الإستعداد للمشاركة في العمليات الروسيّة لمكافحة الإرهاب، بعد الأزمة التي طغت على علاقة أنقرة مع واشنطن لأسباب عدة، أوّلها دعم الأخيرة “قوات سوريا الديمقراطية”، ذات الأغلبية الكرديّة، وثانيها موقفها الملتبس من الإنقلاب العسكري التي شهدته تركيا مؤخراً، من دون إهمال التعاون الوثيق بين كل من أنقرة وطهران على مختلف المستويات، وسعي الجانبين إلى التعاون في الملف السوري، والذي كان قد عبّر عنه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، خلال زيارته ايران في شهر آذار الماضي، عبر التأكيد بأن هذا التعاون يمنع دخول الأجانب إلى المنطقة.
وفي ظل بروز معالم تفاهم ثلاثي، يجمع موسكو وأنقرة وطهران، برز الإعلان الروسي عن قرب التوصل إلى عمل عسكري مشترك مع الولايات المتحدة ضد المجموعات الإرهابية في حلب، بعد أن كانت هذه المسألة عالقة بين الجانبين، نتيجة الخلاف على تصنيف الجماعات المتواجدة في العاصمة الإقتصادية لسوريا، كما برزت المعلومات عن  وصول طائرات قاذفة من طراز “تو-22 إم3″، تابعة لسلاح الجو الروسي، إلى مطار همدان الإيراني، للمشاركة بتوجيه ضربات إلى مواقع “داعش” في سوريا، بالإضافة إلى مساعي توسيع القاعدة العسكرية في مطار حميميم، التي كانت نقطة إنطلاق العمليات العسكرية الروسية في سوريا، حيث تتحدث بعض المعلومات عن إمكانية نقل أسلحة إستراتيجية إليها.
على صعيد متصل، تنفذ مجموعة من السفن الحربية الروسية مناورات تكتيكية في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، بالتعاون مع مجموعة من السفن الحربية المتواجدة فيه بشكل دائم، بهدف التدرب على تنفيذ عدد من المهام، بما فيها القيام بالرماية في ظروف قريبة من الظروف القتالية الحقيقية، بالإضافة إلى إختبار قدراتها على العمل لتسوية الأزمات ذات الطابع الإرهابي، وهو ما يؤكد بأن موسكو ليست في موقع التراجع، على عكس الأجواء  التي جاءت عقب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في شهر آذار الماضي، عن سحب القوات الرئيسية من سوريا، فهل تأتي كل هذه التطورات في سياق العودة إلى تفعيل العمليات العسكرية فقط أم أن هناك تحولات أخرى تحصل؟
من حيث المبدأ، لا يمكن الفصل بين الخطوات الروسية والرغبة الأميركية بتحقيق إنجازات نوعية في الحرب على الإرهاب، يحتاجها الرئيس الأميركي باراك أوباما لدعم هيلاري كلينتون، في السباق إلى البيت الأبيض، في مواجهة دونالد ترامب، حيث يظهر التركيز على دعم “قوات سوريا الديمقراطية” و”جيش سوريا الجديد” على حساب باقي فصائل المعارضة المسلحة، نظراً إلى أن الأخيرة يغلب عليها الطابع الإسلامي، لا بل أن بعضها ليس بعيداً عن توجهات تنظيم “القاعدة”، ما يوحي بأن واشنطن تريد التركيز على السيطرة، عبر حلفائها، على مناطق تقع في الشمال والشرق السوري دون غيرها من المناطق، بالإضافة إلى تطورات الأزمة الأوكرانية، حيث عمدت موسكو إلى نشر أحدث طراز من منظومة “أس-400” الدّفاعيّة في شبه جزيرة القرم الأوكرانيّة التي ضمّتها عام 2014.
ما تقدم يقود إلى الحديث عن توازن قوى على الأرض السوريّة، بين كل من موسكو وواشنطن، من المرجح أن تكون فيه تركيا وإيران إلى جانب روسيا بسبب مصالح القوّتين الإقليميتين الإستراتيجية، لا سيما على صعيد نشوء كيان كردي جديد في الشمال السوري، في حين ستكون واشنطن في مرحلة إنتظار لحين الإنتهاء من الإستحقاق الرئاسي، بموازاة سعيها إلى تعزيز علاقاتها مع القوات الكرديّة والعشائر العربيّة، التي تطمح إلى تسليمها إدارة المناطق التي يتمّ تحريرها من “داعش” على جانبي الحدود السورية والعراقية.

في المحصلة، تسعى موسكو للإستفادة من حالة الإرباك التي يمر بها الجانب الأميركي، في الوقت الراهن، للعمل على تعزيز نفوذها في أكثر من مكان في العالم، وتبدو الساحة السوريّة حالياً هي أساس التحركات الروسية على المستوى العسكري.

 

 

 

 

 

 

اخبار الاتحاد