لا يتوقّفُ الإبداعُ حتّى في أصعبَ الظّروف، فرغمَ كلّ ماعاناهُ شعبُنا فترابُ الوطنِ هو الذي يجمعنا. فنّانةٌ تشكيليّةٌ سوريّةٌ استبدلتِ الألوانَ بترابِ الوطنِ الغالي لتُثبِتَ للعالمِ أنّنا شعبٌ يتحدّى الصِّعابَ، شعبٌ مبدعٌ ويستحقّ الحياة.
الفنّانةُ التّشكيليّة جوليا سعيد من محافظة “طرطوس عملتْ كمدرّسة في مدينة “الرّقة” وحاليّاً في “ثانويّة رياض حجّار” في “طرطوس”، كانت في طفولتِها تحبّ الرّسمَ والدُها النّحّاتُ “أحمد سعيد” وهو المزارعُ الذي لم ينسَ أنْ يزرعَ حبّ الوطنِ والأخلاقِ والفنّ والأدبِ بأولادِه منذ الصّغر، بعد حصولها على الشّهادة الثّانويّةِ بدرجةٍ جيّدةٍ نالتْ المرتبةَ الثّانية في “ثانوية محمد سلمون”، تقدّمَت للمعهدِ العالي للفنونِ المسرحيّةِ لتحترفَ التّمثيلَ فكانتْ من النّاجحين، ولكنْ بناءً على رغبةِ أهلها حوّلت دراستَها لمعهدِ الرّسمِ الذي وجدتْ فيه عالماً جميلاً ساحراً بكلّ اختصاصاته وكان مشروعُ التّخرّجِ وهو اللّوحةُ الثّانيةُ بالألوانِ الزّيتيّة فكانَ مفاجئاً ومبهراً للمدرّسين، لكنْ برأيها الشّخصيّ أنّ الدّراسةَ الأكاديميّةَ بالمعهدِ لا تكفي، بل بحاجةٍ إلى الاجتهادِ الشّخصيِّ والمثابرةِ والمتابعةِ بشكلٍ مستمرّ، وكما في مسيرةِ كلّ نجاحٍ صعوباتٌ مثل التي واجهتها بالأخصّ بعد نزوحِها من “الرّقّة إلى طرطوس “، فكانت المعاناةُ من عدم الاستقرارِ والتنقّلِ الدّائمِ كما أنّها لم تلقَ أيّ دعمٍ من أيّ جهةٍ كانت، لكنّها أصرّتْ على المتابعةِ ورسمِ طريقِ النّجاحِ فرسمَتْ بالألوانِ المائيّةِ والزّيتيّةِ والإيكرليك و تحدّتْ الظّروفَ الصّعبةَ و بدأتْ بالرّسمِ بالتّرابِ الأحمرِ وشكّلتْ منه لوحاتٍ فنّيّة جميلة، وحقّقتْ الكثيرَ من الإنجازاتِ فكان لها حضورٌ مميّزٌ في أغلبِ المهرجاناتِ وعضويّةُ مشاركةٍ دائمةٍ في “ملتقى البيادر الثّقافيّ” وشاركتْ في معارضَ فنّيّةٍ عديدةٍ داخل القطرِ وخارجه، وكذلك منسّقةُ “عشتار للثّقافة والفنون في سوريّة” منذ ثلاثِ سنواتٍ ومديرةُ مكتبِ الرّقة في “مؤسسة البنفسج للثّقافة والفنون” في العراق الشّقيق، وأيضاً مشاركةٌ في “المؤتمر الدوليّ” في العراق ومشاركةَ هذا العامِ في عددٍ بمجلّة “السّلام الدوليّة”، إضافةً لكلّ ذلك فهي تعملُ بمشاريعَ تتعلّقُ بالطّفولةِ ورعايةِ المُحتاجين البعيدين عن الأنظارِ لتحفيزِ الجانبِ الإيجابيِّ لديهم لتنهضَ بهم إلى مستوى عالٍ، لأنّ كلّ طفلٍ لديه قدراتٌ إبداعيّةٌ لكنّهُ يحتاجُ للوقوفِ بجانبه وتشجيعٍ مستمرّ، ولأنّها فنّانةٌ نشيطةٌ وطموحةٌ تسعى لأنْ تتركَ بصمةً لها في الفنِّ التّشكيليِّ وتتمنّى أنْ تعيشَ باستقرارٍ هي وأفرادُ أسرتِها لِتَقوى على العطاءِ أكثرَ فأكثر.