شهد العالم خلال هذا الشهر انعقاد عدة قمم لمجموعات سياسية واقتصادية عالمية، كان آخرها قمة العشرين في أندونيسيا، والتي تأثرت بالأزمة الأوكرانية وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية.
للمرة الأولى منذ سنوات يتم إسدال الستار على مسرح قمة العشرين بهذا الكم من الخلافات والانقسامات بين أعضائها الذين يهيمنون على السلة الأكبر في الاقتصاد العالمي، وهذا يعكس الصراع بين هذه الدول على تقاسم المصالح وعدم وجود ضابط إيقاع للمجموعة والذي كانت تلعبه الولايات المتحدة.
لم تنجح محاولات الدول الغربية في تسويق رؤية حلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والأمن العالمي والحرب غير المباشرة بين الناتو وروسيا الاتحادية، ما أضفى مزيدا من الغموض على مستقبل المجموعة وهو الأمر الذي حذرت من الدولة المضيفة “أندونيسيا” والتي حاولت إيجاد قواسم مشتركة بين أعضاء المجموعة، ولكن دون جدوى في ظل إصرار الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقفهما إزاء الموقف من روسيا ورفض العديد من أعضاء القمة للعقوبات الاقتصادية غير القانونية التي تستخدمها الدول الغربية لفرض أجنداتها السياسية والعسكرية والأمنية على العالم.
إن الغائب الأكبر عن هذه القمة كان دور مجموعة العشرين في حل الأزمات الدولية والاختناقات في الاقتصاد العالمي والخلل المتزايد في سلاسل التوريد جراء العقوبات الاقتصادية الغربية وعواقب الحروب على حركة تنقل البضائع والمخاطر المترتبة على حركة الشحن البحري جراء أساليب القرصنة التي تعتمدها الولايات المتحدة بحق أساطيل الشحن للدول المناوئة لها أو الرافضة الانصياع لامتلاءاتها السياسية والأمنية.
ينطوي عدم إصدار قمة العشرين لبياناتها المعتادة جراء الخلافات الحادة بين بعض أعضائها على مخاطر عديدة على المستويات الإقليمية والدولية، حيث من المتوقع أن تتواصل الأسعار العالمية للسلع بالارتفاع جراء العراقيل التي تضعها الدول الغربية، وكذلك المنافسة الشديدة بين الدول الكبيرة بالاستحواذ على سلع إستراتيجية، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدانه في أسواق الدول النامية والفقيرة وهو ما نشهده اليوم فيما يتعلق بالقمح وغيره من المواد الغذائية والنفط والطاقة.
إن تداعيات ما انتهت إليه قمة العشرين في مدينة بالي ستأتي لاحقاً وستضاعف الخلافات القائمة بين الغرب والشرق وخاصة في ظل إصرار الولايات المتحدة على تدخلها في شؤون الصين الداخلية وتزويدها مع حلفائها الغربيين للنظام الأوكراني بالأسلحة وما يشكله من مخاطر كبيرة في انتقال الحرب وتوسعها في أوروبا.
كذلك الأمر تسهم حالة الموت السريري للتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى (عدم الانحياز… الخ) في زيادة المخاطر والتحديات على الدول الفقيرة والنامية والتي بدأ العديد منها تشكو من الفقر والندرة وعدم القدرة على توفير السلع ومصادر الطاقة، وهذا من شأنه عودة التوترات والحروب المتنقلة في العديد من المناطق في العالم.
يمكن لأكثرية دول العالم غير المنضوية في التكتلات الدولية مثل مجموعة العشرين والدول الصناعية وغيرها أن تحدّ من انتقال تداعيات خلافات الكبار إليها عبر تعزيز التعاون والحوار فيما بينها والتحرك بشكل جماعي للضغط على الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة التي تصر على رهن مستقبل العالم باستمرار هيمنتها عليه.