في زمن الكوارث الطبيعيّة لا يكفي ضخ الوجدانيّات والعواطف، والإعراب عن مشاعر التضامن، بل ثمة مبادراتٌ لا تعترف بالبروتوكولات والحواجز السياسية.. في زمن الأزمات تُحيَّد كلّ الأجندات السياسية والقضايا الخلافية جانباً، وتنطلق تجليات كل ما هو إنساني بلا انتظار شارات الاستغاثة، هكذا هي طبيعة البشر المفترضة، وكذلك العلاقات بين الشعوب والدول.
في توابع الزلزال السوري والتركي –التوابع غير الجيولوجية- الكثير من المفارقات القاهرة التي تستحق الوقوف عندها، لأنها تكاد تكون وصمة دامغة لمعظم منظمات وهيئات المجتمع الدولي، خصوصاً البكّائين وهواة الاستعراض بالدموع، وهم يتباكون على مشاهد مفبركة عن مجريات الحرب على الداخل السوري، لكنهم صمتوا فعلاً بشكل مريب ومدهش أمام كارثة طبيعية شرّدت، وحطمت، وأودت بحياة ضحايا من كل الأعمار.. في حين كانوا أسخياء في عرض كل ما يلزم لجارنا التركي المأزوم مثلنا.. ضنّوا حتى بكلمات بسيطة تعرب عن التضامن الإنساني مع سورية التي تتعرض لكارثة من أخطر الكوارث التي يمكن أن تصيب البشر.
سورية تلملم جراحها بأدواتها التي أنهكتها الحرب وكذلك الحصار المطبق.. فثمة نقص في المعدّات الهندسية لاستدراك من يمكن استدراك حياتهم من تحت الأنقاض، وثمة نقص في الأدوية، وكذلك في التجهيزات الطبية.. المشافي لا تكفي لاستيعاب أعداد الجرحى المرشحة للزيادة، وهناك نقص حاد يعتري كل مستلزمات التعامل مع الكارثة.. والمفوضية الأوروبية ومعها 100 دولة تعرض المساعدات على «شريكتنا في الزلزال» وتستثنينا بشكل حاقد وسافر يزرع الضغينة والحقد في النفوس لأجيال وأجيال قادمة.
لم تُطالب منظمة من المنظمات التي تدّعي أنها إنسانية، برفع الحصار الخانق عن سورية، أو فتح ممرات -إنسانية– لتمرير المساعدات الطبية والكوادر البشرية لإنقاذ السوريين الأبرياء.. لم تتحرك أي منظمة دولية «شهيرة» ممن أضاعوا رشد العالم بالتباكي على سورية، لم تتحرك لتطالب بشيء من قبيل الفعل الإنساني لا السياسي!!
لا يتذرّعن أحد بالحصار والقوانين الجائرة المفروضة على سورية، ففي القانون الدولي ثمة استثناءات بشأن المساعدات الإنسانية، لأنها لن تكون شحنات ترفيهيّة ولا تنموية، ويمكن لأي دولة «اختراق» كل القوانين الدولية، ولن يجرؤ «حرّاس القانون الدولي» على معاقبتهم ولا معاتبتهم، وإن كان ولابدّ فليأخذوا إذناً، ويظهروا بمظهر المأخوذ بالحالة الإنسانية رغم «الفيتو غير الإنساني».
هل ينتظرون أن تصرخ سورية في طلب الإغاثة ؟؟؟
هل وضعوا حدّاً لعتبة أرقام الضحايا كي «يتحرّكوا»؟
هل ستستغرق عمليات استبدال الضمير السياسي بالضمير الإنساني وقتاً طويلاً؟؟
في زمن ما قصد رجل دائن «مدينه» لطلب المبلغ المالي الذي في ذمته، فوجده يتلقّى العزاء بأحد أفراد أسرته، عندئذٍ قام الدائن بواجب العزاء وتبرع بمبلغ من المال لمدينه، وعاد أدراجه متأسفاً من نفسه… إن علاقات الأفراد في أوقات الأزمات لا تختلف عن علاقات الدول، لكن شريطة أن تكون الحالة الإنسانية متأصلة، لا مجرّد تابلوهات بغيضة وأداة تُستخدم حيث مقتضيات أجندات المصالح والاستهداف الكئيب
Prev Post