مع وصول طلائع المساعدات الإنسانية إلى مطارات دمشق وحلب واللاذقية بعد وقوع الزلزال المدمر، توالت الأسئلة والأحاديث عن تبلور معادلات سياسية جديدة تجاه سورية، استمدت زخمها من الاستجابة الإنسانية لأغلبية الدول العربية لمساعدة المتضررين من الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية في السادس من الشهر الجاري والاتصالات العربية مع المسؤولين السوريين.
كان متوقعاً أن تثار مثل هذه الأسئلة، وأن تعكس أجوبتها واقعاً يرى الكثيرون انه كان يتشكل تدريجياً، ولكن ببطء، وجاءت الدبلوماسية (الإنسانية) لتمنحه زخماً ونشاطاً إيجابياً من المتوقع أن تبدأ ملامحه بالظهور تباعاً بدءاً من الشهر القادم، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال تصريحات بعض المسؤولين العرب والاتصالات فيما بينهم حول مستقبل العلاقات العربية- العربية وضرورة تعزيزها لمواجهة التحديات الخطيرة الإقليمية والدولية.
لم تنقطع العلاقات بين سورية والكثير من الدول العربية خلال سنوات الحرب الإرهابية الماضية كما تروج وسائل الدعاية المعادية، وكان هناك تواصل معلن وسري رغم الآلام والشعور بالغدر من البعض، حافظت السياسة السورية على رصانتها ومبدئيتها فيما يتعلق بالتعاون والتضامن العربي، لكونه الخيار الأسلم والأضمن لمواجهة المشاريع الخارجية العدوانية ومحاولات كيان الاحتلال الإسرائيلي فرض إرادته عبر الولايات المتحدة على العرب والمنطقة إجمالاً.
إن عدم صدور أي تصريحات من المعنيين بالسياسة الخارجية السورية حول العودة العربية إلى دمشق لا يعني إطلاقاً عدم صحة التوقعات والتحليلات المتزايدة التي تذهب باتجاه تفضيل هذه العودة على كل ما يخالفها وكعادتها السياسة السورية لا تهتم بما يثار ويطرح إعلامياً، وإنما تعمل لضمان النتائج التي تحقق المصالح السورية والعربية في آن معاً.
لا شك ان سورية لن تفرط بمبادئها وقناعاتها مقابل خوض مرحلة سياسية جديدة، ولكن هذا لا يعني تجاهلها لأي حوار من شأنه الإسهام بتجاوز الدول العربية للمأزق السياسي والأمني والعسكري الكبير الذي تمر فيه، والسياسة السورية تملك من الحكمة والخبرة والمبادرة والمرونة ما يمنحها لتجاوز العقبات من أجل استعادة التعاون العربي وحل المشاكل الراهنة التي تعجز أي دولة بشكل منفرد عن حلها أو مواجهة أخطارها.
تتوافر فرصة جيدة لعودة الدماء إلى العروق العربية، وهناك الكثير من العوامل المساعدة لها بما فيها الدبلوماسية الإنسانية، إضافة إلى الحاجة التي تفرضها الظروف المعقدة، ويمكن الذهاب بعيداً للقول بأن قرب انعقاد القمة العربية الدورية يعد أيضاً عاملاً مهماً وحدثاً مفصلياً لتناقش فيه جميع الدول العربية مستقبل التعاون فيما بينها بكل شفافية وصراحة وقناعة، بأن هذا الخيار هو الضامن لمصلحة العرب ومستقبلهم في المديين القريب والبعيد.
Next Post