ما جرى في تدمر من تدمير لواجهة المسرح الروماني والتترابليون على يد عصابات داعش الإرهابية هو جريمة بحق الإنسانية، وبحق أهم مكونات التراث الإنساني.
وحول آخر مستجدات تلك الجريمة ومن أجل مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية في حماية تدمر من التخريب المتعمد، وأشار وزير الثقافة محمد الأحمد في مؤتمر صحفي أقيم في المتحف الوطني بدمشق أمس إلى أن الجرائم التي ترتكب في تدمر هي جرائم بحق الإنسانية، وما هي إلا محاولات للرد على انتصارات الجيش في حلب، لكنها محاولات يائسة وعاجزة وسيخرجون من تدمر مذلولين. وأضاف الأحمد: إن اشتداد المخاطر على تدمر وإحكام سيطرة داعش على المدينة يعني أن تدمر دخلت كابوساً مخيفاً وسلسلة جديدة من تدمير أوابدها، فخلال عشرة شهور تم تدمير مجموعة من الأوابد والمعابد والمدافن بطريقة وحشية، ونحن في وزرة الثقافة كنا ندرك بأنهم سيستمرون في تخريب الأوابد، وهذا ما حدث في احتلالهم الثاني لتدمر حيث أقدموا على تدمير مجموعة أوابد جديدة.
مناشدة دولية
ودعا وزير الثقافة المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه هذا الموقع الأثري الهام، وللتحرك بقوة وبجبهة موحدة مع سورية في معركتها للدفاع عن حضارة تدمر في وجه برابرة العصر، وأن أي تقاعس أو تخاذل في هذا الوقت العصيب يهدد أهم المدن الأثرية والتراث الإنساني بكليته، وسيكون تهرباً واضحاً من الواجبات الإنسانية والأخلاقية تجاه حماية التراث وصونه، واصفاً الحرب بأنها حرب ثقافية أيضاً مع وجود محاولة صهيونية لطمس هويتنا وإرثنا الحضاري، ولأننا في الوزارة نعي أهمية ما يشن على تراثنا كان لدينا خطوات استباقية على الدوام.
ولفت الأحمد إلى أن وزارة الثقافة كانت على دراية تامة بما يمكن أن تتعرض له آثارنا فتم نقل قطع أثرية ليس فقط من تدمر بل من كل المتاحف السورية بما فيها طرطوس واللاذقية والمناطق التي لم تحصل فيها أعمال تخريب من هذا النوع، وتم تلافي ما يمكن أن يطرأ، وأستطيع أن أوضح أنه لم تأتنا أرقاماً محددة بحجم الأضرار، ولكن هناك أَضراراً معينة لحقت ببعض الآثار التي لا يمكن نقلها كواجهات حجرية كبيرة وأعمدة، فمثلا لا يمكن نقل واجهة المسرح الروماني في تدمر وحتى تلك القطع المتضررة يمكن ترميمها بمشاركة أًصدقائنا من الخبرات الدولية التي نعمل معا للحيلولة دون وقوع تخريب على مستوى كبير.
تجربة رائدة
وعن الدور الهام الذي قامت به مديرية الآثار والمتاحف في خضم الأزمة أوضح الأحمد أن المديرية قامت مشكورة بتوثيق جميع الأعمال المتضررة، وتم إعداد قاعدة بيانات مؤلفة من آلاف الصور والبيانات التحليلية، كما قامت بالتنسيق مع اليونسكو عبر مجموعة لقاءات علمية هامة للترميم، واستطاعت حماية القطع الأثرية من السرقة، ونقل المقتنيات إلى أماكن آمنة فكانت نسبة السرقة تقدر بحوالي 1% وهو رقم يعتبر مثالياً إذا صح التعبير في خضم الكارثة، كما استطاعت عبر التواصل مع المنظمات العالمية وعبر جهودها بإيصال رسالة التراث الثقافي السوري للمجتمع الدولي فكانت تجربتها رائدة في هذا المجال.
مؤتمر دولي
وفيما يخص آثار حلب أشار الأحمد إلى أنه تم الاطلاع على كل ما تم تخريبه، وأكد أن المديرية العامة للآثار والمتاحف بما تملك من موارد بشرية متخصصة وتجربة وخبرة ميدانية طويلة في ترميم وتأهيل المواقع الأثرية ستكون عاملا مهما جدا لتنفيذ مثل هذه المشاريع.
كما أبدت جهات أخرى كثيرة من المجتمع الدولي كمنظمة اليونسكو ومؤسسة الآغا خان كل الاستعداد للصيانة والترميم، والمقبل من الأيام يحمل مفاجآت طيبة، وتطرق الوزير إلى المؤتمر العلمي الدولي الذي أقيم مؤخراً حول التراث السوري لأول مرة تحت عنوان “رؤى ومقترحات جديدة لإحياء التراث السوري” غايته تحفيز المجتمع ورفع الوعي بأهمية التراث.
حرب ثقافية
بدوره تحدث مدير عام الآثار والمتاحف د. مأمون عبد الكريم بكل أسف عن الصمت الدولي متسائلاً أين كانت الأقمار الصناعية عندما تحركت جحافل داعش مرتين نحو تدمر، ولم يكن هناك أي تحرك أو دعم، وتمنى وجود دعم دولي بعيداً عن السياسة في هذه الحرب الثقافية وإنقاذ ما تبقى من تدمر، فإن لم يكن هناك تحرك سريع حقيقي وواضح بعيداً عن الإدانات ستحصل كوارث بحق تدمر العزيزة على التراث الثقافي، وأضاف أنه إذا كان هناك حرص دولي على محاربة داعش فمحاربته تبدأ بتحرير تدمر والوقوف إلى جانب سورية في معركتها الثقافية والإنسانية قبل أن نصبح متأخرين، وأشار عبد الكريم أن موضوع الوصاية الدولية التي طرحتها فرنسا مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن هكذا مبادرات تطرح عادة عندما تكون العلاقة ممتازة بين الدول، وليس من دولة تمارس الضغوط ومن ثم تقدم نفسها كأحد حماة التراث الثقافي في سورية، وكان الأجدى بها أن تساعد في وقف هذه الحرب.