أكد اتحادا الكتاب العرب والصحفيين في سورية في بيانهما الذي أصدراه بمناسبة رحيل الشاعر سميح القاسم على وعي الراحل أن التاريخ الوطني لاتكتبه إلا القامات الوطنية العالية المخلصة، وأن الهجمات الاستعمارية الغاصبة لا تواجه إلا بالمقاومة، لهذا شكّل عبر قصائده ومواقفه الوطنية، وخطبه، ورسائله جبهة ثقافية مقاومة قادته إلى الزنازين الصهيونية مرات ومرات.
لقد كانت قصائد القاسم أناشيد للوطنية في كل بيت ومدرسة.. وفي الديار الفلسطينية والعربية في آن، مثلما كانت مدعاة لكشف الكراهية، والعنصرية الصهيونية التي منعت قصائده من الطباعة والنشر في المدن الفلسطينية، كما منعتها من أن تكون نصوصاً تدرس في مناهج للتعليم، ظناً منها أنها بهذا الفعل الناقص تحول بين الشاعر القاسم وجماهيره، وخاب ظنها لأن قصائده انتشرت بين الناس كالهواء، فصارت أغاني الناس في الحقول، والمراعي، والغدران، والأعراس، والاجتماعات، مثلما انتشرت في البلاد العربية، وصارت ركناً أساسياً من أركان مناهج التعليم في المدارس والجامعات، بعدما هربت إلى خارج الأراضي الفلسطينية.
رحل صاحب رواية (الصورة الأخيرة في الألبوم) التي هزّت الكيان الصهيوني برمته حين وضعته في مواجهة صورته الدموية المتوحشة وأمام مرآته الدموية المتوحشة، مثلما هزّت المجتمع العسكري الصهيوني الذي تغوّل وتوحش وتفنّن بأساليب القتل والبطش للمواطنين الفلسطينيين الثابتين على العقيدة والوطنية المنادين بــ(فلسطين عربية)!.
رحل سميح القاسم المنادي بالحفاظ على اللغة والأرض، والتاريخ والسيادة والناس والوعي بوصفها تراث الشعب الفلسطيني من أيام كنعان وبعل وعناة وذات الهمّة والظاهر بيبرس وصلاح الدين الأيوبي وعبد القادر الحسيني وعز الدين القسام، وأحمد ياسين إلى محمد أبو خضير الفتى الفلسطيني الذي أحرقه الصهاينة حياً في مشهد لم تعرفه وحوش النازية في الغرب ولا وحوش الغابات في أفريقيا.
رحل سميح القاسم الشاعر والمؤرخ والمقاوم والوطني وابن الأرض الذي دافع بصدره وذراعيه، وأمام باب داره.. كي لا يأخذ الصهاينة ولده (كرمل) سوقاً للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، قال لهم: إياكم وهذه الفعلة، سأقتله هنا، وأمام العالم جميعاً إن أخذتموه عنوة! أنا لا أسمح لابني أن يحمل السلاح الإسرائيلي المجرم ليقتل به أهله في الضفة وقطاع غزة والقدس الشريف.
بذلك العنوان، وبتلك الإرادة الوطنية الفذة، شق سميح القاسم نهجاً وطنياً جديداً سارت عليه البيوت الفلسطينية الواقعة تحت نير الاحتلال جميعاً، فما عاد أبناؤها يخدمون في الجيش الإسرائيلي أياً كانت الضغوطات والتهديدات والممارسات الهمجية الصهيونية بحقهم وحق أبنائهم.
(إلى آخر نبض في عروقي سأقاوم سأقاوم سأقاوم)… هذا ماقاله القاسم قبل الرحيل صاحب (ياعدو الشمس) وهو يرى بيرق الكرامة الوطنية مرفوعاً فوق ذرا غزة المقاومة وفوق أكثر من مدينة وقرية سورية بعدما هزم شعبها الأبي الحر المؤامرة، بوحدته الوطنية، ووعيه التاريخي، وإيمانه المطلق بالسيادة السورية أرضاً، وبشراً، وتاريخاً، ومستقبلاً واحداً غير قابل للتجزئة أو القسمة.
رحل الشاعر سميح القاسم الكبير في وطنيته، وشعره، وثقافته، ومواقفه… رحل الرجل ابن الرامة الذي ظلّ، وهو على فراش المرض.. وحتى آخر نبض في عروقه يقاوم ويقاوم ويقاوم..
إننا في اتحادي الكتّاب العرب والصحفيين في سورية، وباسم كل المثقفين الأحرار في الوطن العربي والعالم نتقدم بخالص العزاء لأسرة فقيدنا الكبير الشاعر سميح القاسم.. عزاء من أرض الشام في دمشق إلى أرض الشام في الناصرة.. معلنين أن الشاعر سميح القاسم وفى بشعره حق بلاده عليه، وكتب بدمه أسطر الوطنية العاشقة للمجد والكبرياء، وسطّر أحداث التاريخ الحديث وحادثاته ملاحم تضاف إلى ملاحم حطين، واليرموك، وعين جالوت، وتل الفخار، والكرامة، وتشرين التحرير، وأن سميح القاسم المنادي: (بلادي.. بلادي) أكمل دورته، دورة النبل، والكفاح، والكبرياء، والشرف.
هنيئاً لأهل الشعر بدور الشعر وقوته الإبداعية، وهنيئاً لأهل الوطنية والمقاومة بدور هذا الشاعر الوطني المقاوم، وهنيئاً لأهل الكبرياء والعزة.. فهذا الكبير سميح القاسم يرحل سيداً من سادة الكبرياء والعزة.