في الـ 21 من أيلول الماضي، وصل الرئيس بشار الأسد إلى مدينة خانجو الصينية بدعوة من الصين، في زيارة هي الأولى له منذ عام 2004.
وخلال زيارته، أعلن الرئيسان الصيني والسوري بشكل مشترك عن إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين، ما يشير إلى دخول العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة.
تتمتع الصين وسورية بتاريخ عريق من العلاقات الثقافية والاقتصادية والتجارية، وكانت سورية نقطة مهمة على طريق الحرير القديم، ومن أوليات الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية وأحد رعاة استعادة مقعد الصين الشرعي في الأمم المتحدة.
ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 67 عاماً، حافظت العلاقات الصينية السورية على تنميتها واستقرارها، مع تبادلات اقتصادية وثقافية مستمرة بين الجانبين، وفي كانون الثاني 2022، وقعت الصين وسورية «مذكرة تفاهم حول التعزيز المشترك لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»، وانضمت سورية رسمياً إلى مبادرة «الحزام والطريق».
وفي ظل الظروف التاريخية الجديدة، تتوافق مبادرة «الحزام والطريق» الصينية مع إستراتيجية «النظر للشرق» السورية، وأصبحت مشاركة الصين في إعادة البناء الاقتصادي في سورية أعمق وأكثر جوهرية، ووصلت العلاقات الصينية السورية إلى مستوى جديد.
إن آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسورية واسعة للغاية، وتتمتع سورية بموارد طبيعية غنية مثل النفط والموقع الجغرافي المميز والمتاخم للبحر المتوسط، وهي جسر مهم يربط بين أوروبا وآسيا، وكانت هناك منتجات من سورية في كل دورة من معرض الصين الدولي للاستيراد، مثل زيت الورد الدمشقي العطري وزيت الزيتون والصابون، ومن خلال المشاركة في المعرض، شعرت العديد من الشركات السورية بإمكانات السوق الصينية.
يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للبناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق». وخلال زيارته للصين أجرى الرئيس الأسد مباحثات متعمقة مع المسؤولين الصينيين حول البناء المشترك للمبادرة، وشهد رئيساً الدولتين بشكل مشترك التوقيع على العديد من مشاريع التعاون الثنائي مثل البناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق» وتبادلات التنمية الاقتصادية والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، التي ستساعد على تحسين قدرات التنمية المستقلة في سورية وتحسين مستويات معيشة الشعب السوري وتعزيز الاستقرار والوئام في المجتمع السوري.
تتمتع الصين وسورية بالتوافق والتعاون الواسع النطاق في مجالات حماية السيادة الوطنية ومعارضة التدخل الخارجي وتعزيز التعددية، والصين صديق مخلص للدول العربية، والحكمة الصينية تحظى باعتراف الدول العربية باستمرار، ففي آذار من هذا العام، أعلنت السعودية وإيران عن استئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية الصين، الأمر الذي دفع موجة المصالحة في الشرق الأوسط وجلب مكاسب السلام إلى سورية، وبعد شهرين من استئناف السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، أعلنت السعودية وسورية في 9 أيار الماضي أن البلدين استأنفا العلاقات الدبلوماسية، وفي 17 أيار، دُعي الرئيس الأسد للمشاركة في قمة الجامعة الدول العربية المقامة في السعودية وفي 29 نيسان الماضي وأثناء لقائه مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضية الشرق الأوسط تشاي جيون، أشاد الرئيس الأسد بالوساطة الصينية التي تكللت بالتقريب بين السعودية وإيران وتحسين العلاقات بينهما، على نحو سينعكس على استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها. وقدم الشكر للصين على دعمها للتطورات الإيجابية بشأن مسار التقارب بين سورية والدول العربية، كما رحب باضطلاع الصين بدور أكبر في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.
لقد حضر الرئيس الأسد حفلة افتتاح الدورة الـ19 للألعاب الآسيوية، ودورة الألعاب الآسيوية هذه تعد حدثاً رياضياً للشباب الآسيوي ومنصة مهمة للتبادلات الثقافية، وحضور الرئيس الأسد وفّر فرصاً مهمة للدبلوماسية الشعبية.
إن الصين وسورية دولتان لهما حضارات قديمة، وقد ارتبطت التبادلات بين البلدين عن طريق «طريق الحرير القديم» وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وقالت وزيرة الثقافة السورية إن هذا الطريق مكّن الشعبين السوري والصيني من التعارف معاً وأنشأ جسراً للتبادلات الثقافية، كما أثرت العادات والمعتقدات وأساليب الحياة بعضها في بعضٍ.
في الـ 20 تموز من العام الجاري، أقيم «معرض الآثار الثقافية السورية القديمة» الذي نظمه متحف مقاطعة قوانغدونغ بالاشتراك مع المركز الصيني لتبادل الآثار الثقافية في متحف مقاطعة قوانغدونغ، حيث تم عرض ما مجموعه 210 قطع، أو مجموعة من الآثار الثقافية الرائعة من 9 متاحف سورية و4 متاحف صينية، وقدمت للجمهور صوراً من الحضارة في سورية القديمة.
تدعو الصين وسورية إلى الحوار بين الحضارات، وتقدر سورية بنشاط مبادرة الحضارة العالمية التي اقترحتها الصين، والتي تهدف إلى تعزيز الاحترام المتبادل بين الحضارات المختلفة وكسر «نظرية صراع الحضارات» و«نظرية التفوق الحضاري» و«نظرية المركزية الغربية»، وإن التبادلات الثقافية السورية تجسيد حي لمبادرة الحضارة العالمية.
إن زيارة الرئيس الأسد للصين هذه المرة لا تساعد في تعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين قادة الصين وسورية فقط، بل ستساعد أيضاً في توسيع التعاون العملي بين البلدين في مختلف المجالات وتحقيق المزيد من الفوائد للشعبين. وفي الوقت نفسه، فإنها سوف ترسل أيضا إشارة واضحة إلى المجتمع الدولي أن سورية قد خرجت من الحرب والاضطرابات وهي تتجه نحو الاستقرار والتنمية.