بسام هاشم : البعث
إنها بروفة أولية لكنها، بالتأكيد، لا تملك قابلية الاستعادة والتكرار، فالهجوم الإرهابي المزدوج، الذي استهدف أمس كلاً من مبنى البرلمان الإيراني وضريح الإمام الخميني في طهران، يشكّل، في قراءة سريعة، الترجمة العملية والمباشرة لتهديدات بن سلمان، مطلع أيار الفائت، بنقل المعركة إلى “عندهم.. في إيران”، ومبادرة وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي. أي. إي”، قبل أيام، بتسليم مايكل دي أندريا، “أمير العتمة”، مهمة إدارة العمليات السرّية ضد “نظام” طهران، غير أنها ترجمة ضعيفة ومرتبكة وفاشلة لا تتعدّى حدود التذكير بالحضور وإظهار الاستعداد لتجاوز أبعد خطوط المحرّمات. صحيح أن مجلس الشورى ومرقد الإمام هدفان رمزيان بامتياز، وأن الجمهورية الإسلامية لم تشهد هذا النوع من الإرهاب منذ سبعة عشرة عاماً على الأقل، إلا أن الصحيح أيضاً أن إيران تبقى هدفاً استخباراتياً وأمنياً صعب الاختراق، وأن الحسم انتهى البارحة بأقل خسائر وخلال أقل من ثلاث ساعات.
الصحيح أيضاً أن “داعش”، ومملكة سلمان، التي تعدّ لمشروع التوريث وسط الحديد والنار، وأمريكا ترامب التي تتخبّط في البحث عن استراتيجية واضحة متماسكة العناصر، تلتقي معاً، ومرّة أخرى، على بنك واحد في الأهداف، وأن تناقضات وأعباء مطامح ومطامع آل سعود وآل ترامب، وما يستتبع ذلك من ضرورة إعادة تدوير تنظيم “داعش”، الموشك على الانهيار، في إطار سلسلة جديدة من الوظائف والأدوار، تفتح مصاريع الشرق الأوسط، على اتساعها، للدوران في حلقة خطيرة وغير مسبوقة من الفوضى وعدم الاستقرار، وأن كل ذلك الخلاف مع مشيخة قطر لا يتعدّى، في حقيقته، صراعاً على زعامة الإرهاب. فإرهاب ما بعد “داعش” هو الأداة التي يتعيّن أن توظّف حصراً، وحتى إشعار آخر، لخدمة مشروع التفرّد السعودي بالهيمنة على القرار الخليجي، والعربي، و”الإسلامي” بهدف تمرير عملية انتقال الحكم في الرياض، أولاً على ظهر أوسع مساحة ممكنة من التطبيع مع “إسرائيل” دون ملاقاة أدنى اعتراض، وثانياً، وليس آخراً، من خلال دمج قوى الإرهاب في المنطقة، على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها وانتماءاتها الدينية والإثنية – وهنا الإبداع السلماني! – في “جيش ملكي” موحّد، يقوده المايسترو السعودي عن بعد، وبمباركة من أجهزة ترامب، حتى ولو تطلّب ذلك المخاطرة باستدعاء “مجاهدي خلق” إلى طابور مقدّمي الخدمات.
يهلل السعوديون للحرائق المشتعلة، والتي يجب أن تشتعل في كل مكان.. وهي رؤية “يوم القيامة” نفسها التي يلوح ويتسلّح بها ترامب. بكل سذاجة يتصوّران معاً أن الإرهاب يمكن أن يستخدم أداة لإخضاع مجتمع تعبوي قوي ودولة ثورة ومؤسسات، وبالقدر ذاته من الحماقة يجرؤان على “المساس” بـ “نظام” تُزيّن لهما ثقافتهما السياسية القاصرة والمتخلّفة اعتباره دون قاعدة شعبية عريضة -في الموالاة والمعارضة- تتمتّع بسوية عالية من الاعتزاز الوطني والانضباط السياسي، ومستعدّة للدفاع عن قيم ومصالح واستقرار الجمهورية الإسلامية، وقد أظهرت ذلك، وقدّمت التضحيات في سبيله، على امتداد عقود طويلة ماضية، علاوة على أن لدى إيران/الدولة من عوامل وأدوات وأذرع القوة ما يمكنها من إحباط أي محاولة إرهابية تحاول النيل من أمنها الداخلي، بل ورد أي محاولة خارجية للمساس بالوضع الداخلي إلى نحور أصحابها، وهو واقع اختبره الأمريكيون قبل غيرهم منذ سنوات.
تتآكل “أرض الخلافة” في سورية والعراق كمنصة افتراضية للوهابية “المقاتلة”، ومعها يتآكل النفوذ الإيديولوجي والسياسي للعائلة السعودية المالكة المرشّحة بدورها للانقراض تحت ضغط اختلال التوازن بين ملاءة مالية أسطورية تخضع لاستنزاف رهيب ومتسارع وكثيف، وبين الاستماتة في محاولة توسيع رقعة السيطرة والنفوذ للحفاظ على زعامة متخيّلة يمكّنها لوحدها أن تضمن استمرار وبقاء النظام. هذه الزعامة التي تتقلّص اليوم إلى حدود حمل لواء الإرهاب، والتهديد العلني به، وممارسته بالوكالة وعبر أذرع ووسطاء.
باختصار. الشرق الأوسط على موعد اليوم مع موجة سعودية جديدة، ولربما الطبعة الأخيرة قبل الانهيار الشامل، من سياسة تصدير الإرهاب!.