الشدّ الأميركي والمقاربة العكسية..!!

علي قاسم:الثورة

بين زوايا الشد الأميركي والمقاربات العكسية لأدواته الوظيفية التي تتسابق على هوامش المشهد الإقليمي، تختار أميركا أن تجاهر ومن دون حرج فتنحاز وتنتقل من ضفة إلى أخرى في اللحظة ذاتها،

رغم أنها تدرك وبحكم التجربة استحالة اللحاق بها حيث لا تمتلك تلك الأدوات والتحالفات القابلية ذاتها لممارسة لعبة تدوير الزوايا، وتفتقد أغلبها المرونة الأميركية التي تتيح لها التدوير والاستدارة بالاتجاهات الأربعة من دون أن تضيف أي أعباء بالمعنى الفعلي للسياسة الأميركية، بقدر ما تشكل فرصة سانحة للاستثمار فيها ولو كان على حساب الحلفاء كما جرت العادة، أو على مصير الأدوات المستهلكة وجودياً كما يجري اليوم في أكثر من مشهد تعيد فيه أميركا تدوير مقاربتها للأحداث في المنطقة وخارجها.‏

مهمة اللحاق بالأميركي تبدو تكلفتها أكثر بكثير من تكلفة الابتعاد عنه، لكنه الإرث السياسي المثقل بأعباء التبعية والخضوع الذي يفرض قسرياً اللهاث خلف الأميركي في استدارته وفي تدوير الزوايا المتباعدة والمتلاصقة على حد سواء، حتى لو اقتضى الأمر المبازرة الرخيصة على حافة الهاوية، بما يعنيه ذلك من تفريط بآخر ما في الجعبة لإبعاد هاجس الرعب الذي تلتحف فيه أغلب تلك المشيخات والدول الوظيفية التي بقيت تراهن على وجودها عبر ذلك الدور الوظيفي الذي تنسقه واشنطن وتعيد تفصيله في كل مرحلة على مقاس حاجتها.‏

المطلوب أميركياً يتجاوز طاقة المشيخات، سواء جاء تحت عباءة المساهمة في تفكيك وتخفيف وطأة التناحر الخليجي، أم كان في سياق التجريب بإدارة الأزمة، وإعادة تأجيجها كلما لاحت فرصة لإخماد ما اشتعل منها، والطاقة الاستيعابية لدى أغلب تلك المشيخات تصل إلى ذروتها في الاستخدام السياسي، وبعضها يراهن على ما هو خارجها، أو يعوّل على سياق جديد تضطر فيه واشنطن للأخذ بتلك الاحتياجات.. مروراً بالجولة الحالية لوزير الخارجية الأميركي التي تعيد ترتيب نسق المبازرة بما تبقى من عروض سخية قادمة، كانت المذكرة التي وقعتها مع المشيخة القطرية حول مكافحة الإرهاب الذراع الإضافي للمساومة في وقت تدرك أطراف الاشتباك الخليجي أنها ليست خارج تلك الدائرة التي ترسمها السياسة الأميركية.‏

على المنحى ذاته تتقاطع التراكمات الناتجة عن سياسة تدوير الزوايا في المشهد الإقليمي، حيث التفاهم الروسي الأميركي يفتح الأبواب أمام اجتهادات وأحياناً مبادرات تسبق بكثير المسافة الفاصلة بين شهود الحالة المزرية، والبحث في ركام المشروع الأميركي والغربي الغارق في أوحاله عن بصيص أمل لن يأتي في نهاية النفق الذي تضيق حوافه ويزداد الضغط فيه على المرتهنين لذلك المشروع، حيث المبالغة في التكهنات والأدوار والاستطالات المرَضيّة في الترويج الساذج للأدوار المستقبلية تتطابق مع سياق الحالة القسرية التي تواجه بقية أدوات المشروع الأميركي.‏

اقتراب نهاية داعش أو أفول صولاته وجولات وجوده والتلاشي التدريجي لخطابات «التبشير» بعقود بقائه والبدء بالتفكير ببدائله في المنطقة، جميعها تترك المسار السياسي لكثير من تلك الدول بطابعها الوظيفي أو الاستنسابي في العلاقة مع الإرهاب وتنظيماته أمام الأسئلة المرة، التي لطالما حاولت تجنب التطرق إليها أو التفكير بها، حيث الأميركي الذي يبحث عمّا يحفظ ماء وجهه ليس معنياً ولا هو مهموم بما تؤول إليه أحوال الكثير من تلك الأدوار ولا بالصيغة التي تكفل لها الاستمرارية أو البقاء قيد التجريب الوظيفي والمهمة التنفيذية لأوجه المشروع الأميركي أو ما تبقى منه، مع ما تضيفه صيغة الديماغوجية الأميركية من متاعب تجعل تدوير الزوايا تدويراً قسرياً ناتجاً عن صعوبة التكيّف مع مشهد التهدئة الأميركية واستحالة التأقلم مع فروض وشروط أن يضطر الأميركي للتفاهم مع الروسي.‏

ما ينتاب الضخ الإعلامي والسياسي من نفخ لمفردات ذلك التفاهم وسط الشد الأميركي والمقاربة العكسية لأتباعه قد يفسّر جزئياً بعض الظواهر المرَضيّة المتورّمة، لكنه يبقى عاجزاً عن استيعاب هذا الخلط وأحياناً الإضافة عليه من خارج النص، وتحميله ما هو خارج طاقته، وفي بعضها الآخر الترويج لأكاذيب تحاكي تمنيات بعض الأطراف عن العروض المقدمة للأدوار الإقليمية في ذلك التفاهم، في وقت لم تكن إسرائيل تتحرج في إبداء امتعاضها من احتمالات الوجود الروسي، لما قد يكشفه من أسرار العلاقة الإسرائيلية مع التنظيمات الإرهابية، ومع ما يشكله من مشهد ضاغط يحد من التمنيات الإسرائيلية ومن رهاناتها ويضيق الهامش على الدور الأردني المحشور في زوايا يحتاج فيها إلى المؤازرة وحتى النجدة، وقد يكون أكثر من ذلك بكثير.‏

 

اخبار الاتحاد