لم يخطئ ظننا بالولايات المتحدة الأمريكية يوماً والذي يصل إلى اليقين أنها كانت دوماً ضابط إيقاع العدوان على سورية ولم تكن يوماً مع الحل السياسي وتاريخ ثلاث سنوات من العدوان وماقبله كان يشي بأنها كانت بين كل جولة وأخرى,
وتهديد وآخر, وسقوط أداة وأخرى, وخسارة معركة واخرى كانت تحضّر المسرح الإعلامي والسياسي والميداني للانقضاض بتكتيك آخر وخطة اخرى وأساليب وأدوات جديدة محافظة على أهدافها الاستراتيجية التي على مايبدو لم ولن تتغيّر ، وكل كلام أمريكي عن السياسة واحترام القانون والقيم لا يغدو مجرد نفاق، وهذا ما تؤكده مجريات جولتين من «جنيف2» التي أنهت فيهما أمريكا الكلام المباح لبيان «جنيف1» وأرادت أن تعطل لغة الكلام إلى لغة التهديد والوعيد في الميدان من جنيف إلى عمّان، فمنذ الجلسة الافتتاحية وإعلان الحرب الأمريكية على جنيف2 والعملية السياسية بدت المؤشرات كلها أنها ليست مبشرات ولأن النيات الأمريكية والأقوال والأفعال كانت مخادعة وانها تريد أن تأخذ من طاولة «جنيف2» خلال ساعات ماعجزت عنه خلال ثلاث سنوات ولأنها كانت منفصلة عن الواقع لم تستطع التمييز بين الممكن والمستحيل لهذا وصلت المباحثات في جنيف إلى ماوصلت إليه.. والسؤال العنقودي الذي يختزل كل أدوات وإشارات الاستفهام والتعجب: لماذا ذهبت أمريكا و«ائتلافها» إلى جنيف؟ وماذا تريد ومتى وأين ولماذا وكيف ؟ لكن الجواب الذهبي نجد دلالاته وحبره السري في القاموس الأطلسي الأمريكي والصهيوني والقطري والأردوغاني والظواهري والبغدادي والجولاني ومانصّ عليه وأفتى به كل وهابي تكفيري إرهابي ويقول:
أولاً: إن أمريكا و«ائتلافها» ذهبا إلى جنيف محكومين بوهم «تسلّم السلطة» في سورية ومحاولة اختزال بيان «جنيف1» بما يسمى هيئة الحكم الانقلابية وكفى أمريكا والعالم شر مكافحة الإرهاب .
ثانياً: لاتتجرأ أمريكا و«ائتلافها» على مناقشة البند المفتاحي لـ«جنيف1» والذي لايمكن الدخول إلى ماتبقى من بيان «جنيف1» إلا من بوابته لأن الإرهاب هو مشروعهم في سورية وتالياً الوصول إلى توافق في تعريته ومكافحته وإيقاف أسباب دعمه ووجوده يقوّض مشروعهم ومشروعيتهم وهذا ماأربك وأحرج ما يسمى الائتلاف لأن أوراق قوتهم مجازاً هي في الإرهاب ومجازره وداعميه ولأنهم لا يملكون أي وزن نوعي مشروع شعبياً ولاميدانياً ولاسياسياً، وبعد الاتفاق والوفاق على مكافحة الإرهاب بكل منظومته الفكرية والمادية داخلياً وخارجياً سيكون السؤال أي معارضة يمثلون وأي قيم وطنية وسياسية وشعبية يمثلون ويتمثلون وماذا ينطبق عليهم من مايسمى الحكومة الانتقالية كوزن وازن في المعارضة أو المستقلين حسب وثيقة وبيان «جنيف1» وما وزنهم وحجمهم فيما تبقى من جدول الأعمال الذي قدمه الإبراهيمي ولاسيما في الحوار الوطني والمصالحة ورأي الشعب السوري وإرادته وقراره وصوته الذي يعلو ولايُعلى عليه ولو خُيّر الشعب السوري بين المن والسلوى ومكافحة الإرهاب لاختار مكافحة الإرهاب.
ثالثاً: تريد أمريكا و«ائتلافها» أن يسحبا منطق الكيان الإسرائيلي عندما كانا يطرحان أنهما يريدان «السلام والأرض» وهذا ماتريد أمريكا الحصول عليه.. الإبقاء على الإرهاب وتسلّم السلطة أي الرسملة في الإرهاب ومكافأته بدل مكافحته.
رابعاً: استخدام استراتيجية (إما وإلا ) أي التهديد والوعيد تطبيقاً لمبدأ أمريكي ثابت وهو أن أمريكا لاتفاوض إلا بلغة التصعيد والتهديد ولهذا لاحظنا أنها في سياق المباحثات أصدرت قرار دعم الإرهاب وهو قرار قديم متجدد لم يتوقف وبدأت تهدد وتتهم الدولة السورية «بعدم التعاون» مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية و«بعدم تعاون» الدولة السورية بإيصال المساعدات الإنسانية .
خامساً: لأن الواقع الميداني العسكري وإنجازات الجيش العربي السوري أكبر من قدرة أمريكا على تجاوزها ولأن المد الشعبي السوري المؤيد للجيش والرئيس بشار الأسد أخذ يتسع ويكتسح ويزلزل ولأن الموقف الروسي المبدئي بدأ يسحب الأوراق الأمريكية ويمزقها لجأت أمريكا إلى إعادة طرح الهدف العدواني المؤجل وهو تغيير موازين القوى في الميدان وهذا ما تجلى في أطنان السلاح والذخيرة الأمريكية التي نُقلت إلى الأردن للآلاف من مرتزقة «ثوار» الناتو في الأردن ، وإصدار أمر عمليات من فورد لما يسمى الائتلاف بالتصعيد في المنطقة الجنوبية من سورية وترويج مايسمى «جنيف حوران» وإعادة رفع كفاءة غرف العمليات السعودية الصهيونية- الأردنية- الأمريكية في الأردن وتكفّل السعودية بالتمويل، والتحالف السعودي- الصهيوني ووعده بتغيير موازين القوى.
سادساً: يؤكد الحراك من زيارة هولاند للسعودية ثم زيارته لأمريكا وتصريحات أوباما وزيارة ملك الأردن لامريكا والزيارات البينية الصهيونية والسعودية ووقائع الميدان في الأردن ومحاولة أمريكا نسف مساعي الحل السياسي و التقارير الروسية بأن أمريكا وفرنسا تحضّران لعدوان على سورية واجتماع الرئيس بوتين بمجلس الأمن القومي الروسي وإعادة تظهير العلاقات بين حكومة أردوغان والكيان الإسرائيلي، وزيارة وزيري الدفاع والخارجية المصريين لروسيا وصفقات الأسلحة ووقعها على امريكا و«إسرائيل» والسعودية والأردن كل ذلك يوحي باحتمال عدوان على سورية من الأردن تحت ذرائع معينة بهدف تحقيق ما يسيل عليه لعاب الكيان الإسرائيلي منذ عام 1973 وهو إقامة «منطقة عازلة» في ريف درعا والقنيطرة بالتعاون مع مرتزقة تنظيم القاعدة في تلك المنطقة كمرحلة أولى ومن ثم محاولة الضغط على العاصمة دمشق ومحاولة تغيير موازين القوى ومحاولة إيقاف عملية الجيش العربي السوري في القلمون التي اصبحت أدنى من قاب قوسين لتطهير ما تبقى من يبرود ومحيطها أو اقله محاولة التأثير والضغط على الموقفين السوري و الروسي.
سابعاً: بالتوازي مع ذلك، الضغط في مجلس الأمن والأمم المتحدة بمحاولة تقديم قرارات تحت طابع إنساني وبأنياب عسكرية،ومن هنا كان مشروع القرار الروسي الذي سيقدم لمجلس الأمن لإدانة ومكافحة الإرهاب وهذا سيحرج الولايات المتحدة ويحشرها لأنها لا تستطيع أن تقامر وترفض القرار بعد أن بدأ الإرهاب المنفلت من عقاله يهدد أوروبا وأمريكا، وإذا قامرت أمريكا ورفضت القرار الروسي الذي يصوب قراءة ومناقشة جلسات جنيف فإنها سترتكب خطأً استراتيجياً قد يعادل ببعده ومفاعيله ومخاطره على البشرية ما حصل في الحرب العالمية الثانية في هيروشيما وناغازاكي باستخدام أمريكا للقنبلة الذرية.
أخيراً… بعد جولتين من ماراتون «جنيف» والنفاق الأمريكي في محاولة الانقضاض على الوقائع والوثائق وكأن «جنيف» من حيث الهادفية لم يبدأ بعد، لكن الجيش العربي السوري وماكينته تُقلع في كل الاتجاهات وتسحق العصابات الوهابية الإرهابية من حلب إلى القلمون إلى درعا ودروس القصير مازالت تؤلمهم وهذا ما يدفع أطراف العدوان لمحاولة وقف إنجازات وإعجازات الجيش العربي السوري ولو بمقامرة إسرائيلية كما حصل في العدوان على جمرايا أكثر من مرة أو كما أعلنت أمريكا عند حشد البوارج،اذاًهي جولة أمريكية جديدة من التصعيد الإقليمي والدولي ستسخن ولكن من المستبعد أن تصل إلى حد التهور والعدوان لأن أمريكا دائماً تتقن استراتيجية حافة الهاوية ولأن الحسابات المنطقية والعقلانية تقول إن الغلبة ليست مع أمريكا بل عليها قانونياً وأخلاقياً واقتصادياً وعسكرياً، وقد تكون استراتيجية التصعيد ثم الانسحاب التكتيكي، لكن بكل الاحتمالات والأحوال والسيناريوهات فإن الجيش العربي السوري لا يقبل الغفلة ويحسب لكل شيء حساباً ولا يترك شيئاً للمصادفة واذا كان هناك شيء من المصادفة فقد تكون خيراً من ألف ميعاد،وإذا كان ما يسمى «الائتلاف» مصراً على أوهامه وأحلامه وارتباطه العضوي بمشيمته الأم أمريكا وأدواتها ومازال يحلم فنقول: إن إبليس منذ سقطته الأولى لتاريخ البشرية وهو يحلم بالجنة فهل يستطيع ما يسمى «الائتلاف» أن يحقق حلمه في «جنيف» أو ما بعد بعد «جنيف»؟