أعرف أن من ينصحني أن أتوقف عن الكتابة والتعبير عن واقع الحال والظروف الصعبة في الحسكة بسبب ممارسات قسد المرتهنة للمحتل الأميركي ينطلق في النصيحة والتحذير المبطن من قاعدة الحرص وتجنب أي أذى يمكن أن يلحق بي وبكل من يرفع الصوت عالياً لفضح هذه الممارسات، وهو أمر محتمل بطبيعة الحال، فالزميل الصحفي محمد الصغير لا يزال معتقلاً منذ سنوات في معتقلات «قسد»، وبالأمس القريب تم توقيف أعضاء في قيادة فرع الحزب بالحسكة وهم في الطريق لحضور اجتماع في دمشق، وخلال الشهر الماضي تم توقيف الصديق محمد سعيد خلف وهو عضو قيادة فرع سابق وبقي موقوفاً أكثر من عشرين يوماً، والأمثلة والشواهد كثيرة على الاعتقال والضغوطات التي تمارس على فعاليات اجتماعية وثقافية وإعلامية.
لكن كيف أتوقف عن الكتابة وأكتم الصوت في حين الممارسات والضغوطات مستمرة.؟ وكيف لا نقوم بأضعف الإيمان ليعرف الناس ماذا يحدث في ظل غياب المجتمع الدولي النائم والمؤسسات الدولية المخطوفة من الدول الاستعمارية التي تتزعمها أميركا.
كيف يمكن أن نتجنب نقل الواقع على حقيقته واليوم تعود من جديد ميليشيات قسد بتنفيذ الحصار المطبق على مركز مدينة الحسكة وتغلق جميع المداخل المؤدية إليه بعد ساعات من منعها إدخال الطحين إلى مخبز الحسكة الأول بقصد إيقافه عن الإنتاج وحرمان آلاف الأسر من الخبز.
كيف أكبح جماح قلمي وأمنعه من نقل الواقع خوفاً أو تجنباً من أذى يلحق بي في حين اليوم ميليشيا قسد تنشر مجموعات مسلحة عند المداخل المؤدية إلى مركز مدينة الحسكة وتمنع حركة السير للمدنيين والسيارات من وإلى مركز المدينة ما يهدد بنقص حاد في المواد الغذائية والمحروقات ويخلق أزمة خانقة وخاصة خلال شهر رمضان.
كيف لا نرفع الصوت وميليشيا قسد تمنع اليوم شاحنات الطحين من التحرك باتجاه مخبز الباسل بالحسكة وتقطع عنه الطحين ليتوقف عن الإنتاج بالتوازي مع استمرار الميليشيا بحصار مخبز البعث في مدينة القامشلي وتوقفه عن العمل بعد أن استولت بقوة السلاح على المخبز وطردت العمال منه.
واليوم مع تجدد الحصار واستمرار ممارسات قسد بحق الأهالي هي مناسبة للتذكير والتأكيد من جديد أننا عندما نتحدث عن قسد نحرص على التوضيح بأن الميليشيات المرتهنة للمحتل الأميركي لا تمثل طيفاً محدداً وإنما هي خليط من مختلف الأطياف والشرائح والمكونات، ولا علاقة للمكون الكردي بهذه المليشيات وعمالتها للأجنبي وممارساتها.
ثمة أصوات انعزالية مرتهنة ولا تستطيع أن تخلع عباءة التبعية ولذلك اليوم الجزيرة السورية وأهلها وخيراتها وثرواتها النفطية والزراعية يدفعون ثمن ارتماء هذه المجموعات في حضن الأجنبي.
أما عندما نتحدث عن الأكراد فإنما نتحدث عن مواطنين سوريين لأن المكون الكردي هو مكون أصيل وأساسي من مكونات الشعب السوري في حين أخطأت بعض الفصائل والأحزاب الكردية (وليس الأكراد) وتوهموا وخدعتهم أميركا.
والدولة السورية لم تتخذ بحق هذه الميليشيات أي إجراء ليس لأنها لا تستطيع وإنما انطلاقاً من حرصها على عدم إراقة الدم السوري على الأرض السورية أو الوصول إلى حالة الصدام، ولكن حقيقة لقد طفح الكيل بهذا الوضع الإنساني الصعب والممارسات المستمرة وكل أبناء المحافظة بعشائرها العربية والكردية ومن مختلف الطوائف هم رافضون لهذه الممارسات رفضاً قاطعاً.
لكن المشكلة بالذين لم يقرؤوا التاريخ، والذين يتجاهلون حقائق الأمور التي لايمكن أن تحرقها النيران، فلم يحدث أن الولايات المتحدة الأميركية كانت حارساً لشاة دون أن تفترسها أو تطعمها لأحد، هل نسيت قسد عندما تركها الأميركي بيد الوحش التركي وذهبت عفرين ورأس العين وغيرها من المدن والمناطق.
هل نسي أحد أنه لولا تدخل الجيش العربي السوري لامتد زحف المحتل التركي بعد رأس العين إلى باقي المناطق في الحسكة.
لماذا ينسى البعض أو يتناسون أن الدولة السورية جاهزة لاحتضان كل مواطنيها والحوار ظل مفتوحاً أمام القوى التي تؤمن بسورية وطناً نهائياً لها وتؤكد ولاءها وانتماءها له.
ولكنهم مستمرون بمنطق انفصالي أو بمنطق أنهم أصبحوا قوة على أرض الواقع تفرض نفسها بفعل الارتهان للأميركي، أما النسيان الكبير فهو أنه لا يحق لأي مكون أن يصادر العقد الاجتماعي ويلغي شكل الدولة ونظامها السياسي لأن قوة الدولة من قوة شعبها الذي يرفض أن تمس وحدتها ودستورها وسيادتها الوطنية، ولأن مستقبل سورية وشكل الدولة ونظام الحكم فيها لا يقبل الخضوع للأمزجة والحسابات الضيقة وإنما هو بيد الشعب السوري كما يحدده الدستور وتحميه إرادة الشعب والقوانين الدولية.