د. أمين محمد حطيط*
عندما قررت سورية تحرير حلب بعد ان هيأت لتنفيذ القرار ظروفه اقدمت اميركا و من خلفها و من بيدها من أدوات على منع التنفيذ او عرقلته او حرفه عن مساره بشتى السبل ، لانها كانت تعلم ان استعادة حلب كلها الى كنف الدولة تعني حرمان العدوان من امتلاك ما يمكنه احداث توازن في الميدان يمكنه من تقاسم سورية
بعد ان فشل في و ضع اليد عليها كليا عبر 5 خطط متتالية عمل بها بدءا من العام 2011 وصولا الى العام 2016 / و لكن سورية قررت و مع حلفاء صادقين و ذهبت الى الميدان باقتدار كلي و نفذت ما ارادت و كان لها النصر الاستراتيجي في حلب ، النصر الذي وضع المدماك الأول للعمل على انهاء العدوان عليها.
بعد حلب انخفض سقف احلام العدوان بقيادته الأميركية و اتجه مباشرة الى العمل بخطة تتيح لها تحقيق الأهم من الأهداف الرئيسية التي من اجلها اضرمت نار الحريق العربي ، و التي هي تفكيك محور المقاومة لتحقيق امن إسرائيل و ابعاد الخطر عنها مهما كان حجمه ،وذلك بإضعاف قدراته عبر انشاء منطقة عزل و فصل ، تفصل الجزء الشرقي من المحور و المتمثل بإيران و لاحقا العراق ، عن جزئه الغربي المتمثل بسورية و لبنان المقاومة ، و من اجل ذلك اتجهت اميركا مباشرة لإطلاق مقولة «المناطق الامنة» و التي كانت تعني بالنسبة لها انشاء منطقة فاصلة على طول الحدود السورية العراقية من الشمال عند ملامسة الحدود مع تركيا الى الجنوب وصولاً الى الحدود مع الأردن و الالتفاف غربا لاقامة حوام الامن الإسرائيلي في الجولان. ولان الحدود طويلة وديمغرافية السكان على طولها متنوعة فقد قسمت اميركا الأعباء والمهام بين قوات سورية كردية (قسد) وقوات سورية من البادية (مغاوير البادية واخرين) وارفقت بالأردن وبقوات أخرى ممن تسميهم «قوات معارضة معتدلة» مهام على الجزء النوبي وساهمت هي وبريطانيا عسكرياً ببضع مئات من الجنود اقامت لهم قاعدة عسكرية قرب التنف السورية تحت عنوان التدريب.
لقد كان على اميركا للنجاح في خطتها تلك – خطة انشاء منطقة العزل و الفصل على الحدود الشرقية – ان تمنع الجيش العربي السوري و حلفاءه من الوصول الى أي نقطة على الحدود مع العراق لا بل ابعاده على الأقل مسافة 60كلم عنها حتى تطمئن لفعالية تلك المنطقة في منع اتصال و تماسك الكتلة الإقليمية الحاضنة لمحور المقاومة والمشكلة من دول اربع يؤدي ترابطها الجغرافي و تحالفها وفقاً للفهم و التقدير الإسرائيلي – الأميركي الى تشكيل خطر وجودي على إسرائيل ، فهي كتلة تمتلك الموقع الاستراتيجي المميز في قلب الشرق الأوسط ، و لديها الثروات و تتمتع بجغرافية سياسية قل نظيرها ، و حجمها الديمغرافي يتجاوز 150 مليون نسمة .
اذن بعد حلب انحصرت معركة المواجهة الأساس بين سورية ومعسكر الدفاع عنها من جهة وبين معسكر العدوان بقيادة اميركا من جهة أخرى انحصرت المعركة على الحدود الشرقية لسورية مع العراق، حيث ان اميركا رأت فيها معركة الفصل لإنقاذ اهداف العدوان، ورات فيها سورية ومحور المقاومة معركة اسقاط العدوان وإقامة المنطقة المتماسكة لتثبيت مقولة القوة المنيعة لمحور المقاومة. ومن هنا وجه المقارنة بين معركتي حلب والحدود الشرقية، مع فارق رئيسي انه بعد حلب كانت هناك إمكانية مناورة للعدوان بينما بعد معركة الحدود الشرقية فان هامش المناورة يضيق حتى شبه العدم ولا يكون امام اميركا إذا ارادت ان تتابع الحرب الا ان تقوم باجتياح لسورية على غرار ما قامت به في العراق في العام 2003، ولكن اليوم غير اليوم والإقليم غير الإقليم والتفكير بمثل هذا الاجتياح هو منتهى الجنون والطريق الأكيد لهدم مصالح اميركا في كل الشرق الأوسط، وهنا تكمن خطورة الامر بالنسبة لمعسكر العدوان. (حذر مسؤولون روس من المغامرة هذه وأعلنوا انهم لن يسمحوا بها).
وفضلاً عن ذلك فان المعركة هذه (معركة الحدود الشرقية) تصاعدت أهميتها وحاجة العدوان لتحقيق الانتصار فيها نظراً لطبيعتها وللظروف القائمة في الميدان اولاً، ثم لواقع بنية معسكر العدوان وادواته ثانياً. فعلى الصعيد الميداني تهاوت جماعات داعش وفقدت القدرة على الهجوم كما انها عجزت في معظم المواقع عن الصمود والدفاع عن مراكزها امام هجوم الجيش العربي السوري وحلفائه وعلى كل الجبهات من الشمال الى الجنوب، اما في صورة معسكر العدوان فيكفي ان ننظر الى حال أدواته والصراع الناشب بينها (قطر في مواجهة السعودية وحلفها) حتى نعلم على أي حال بات معسكر العدوان.
وعليه ونظراً لهذه الأهمية جازفت اميركا وبوقاحة فظة في استهداف الجيش العربي السوري لإخراجه من دير الزور اولاً، ثم لمنعه من التقدم الى الحدود الشرقية مدعية ان هذا التقدم يهدد جنودها في القاعدة التي انشأتها قرب مثلث الحدود السورية الأردنية العرقية في منطقة التنف قريباً من المعبر على طريق دمشق بغداد (وكان لها الحق بالوجود والامن هناك).
وكانت اميركا تتصور ان اخراج الجيش العربي السوري من دير الزور يقضي على حلمه بالوصول الى معبر القائم قرب البوكمال، وان منعه من الوصول الى التنف سيفتح الطريق امامها لاقامة المنطقة الامنة التي تخطط لها عبر وصل المعبرين والسيطرة على المنطقة بالقوات التي تديرها. لكن حسابات اميركا لم تطابق مسارات الميدان، حيث ان سورية وحلفاءها عملوا بعكس توقعها، فصمد الجيش العربي السوري في مواقعه في دير الزور وارتفعت جهوزيته لتلقي القوات الاتية من تدمر وقد اشرفت على بلدة السخنة شرقي دير زور، اما التحدي الأهم فقد كان في البادية التي اجتازتها قوات الجيش العربي السوري والحلفاء رغم القصف المعادي الذي تعرضت له من قبل التحالف الأميركي اللاشرعي، واندفعت في عملية التفاف رشيقة متجهة الى الحدود مع العراق دون ان تقع في فخ نصب لها ودون ان تقف عند خط احمر أميركي وقع. وكان يوم 9 حزيران يونيو 2017 يوماً تاريخياً في مسار المواجهات بين سورية واعدائها، يوم حققت فيه سورية وحلفاؤها نصراً استراتيجياً من العيار الثقيل، سيكون له موقعه في التأريخ لبدء نهاية الحرب على سورية ومحور المقاومة.
و حتى تكتمل الصورة لا بد من أن نضيف الى المشهد ، ما تحقق على المقلب الشرقي من الحدود ، حيث سيطرت قوات الحشد الشعبي العراقي على مسافات طويلة من الحدود العراقية السورية و هي تتابع تقدمها من الشمال الى الجنوب ، و باتت تقترب من الإمساك بمعبر القائم في مرحلة أولى ثم التوجه الى الرطبة و معبر التنف في مرحلة ثانية ليتعانق القوة العراقية الوطنية مع القوى السورية الوطنية و معهم حلفاؤهم من محور المقاومة ، عناق فهمت إسرائيل منذ اللحظة أهميته و مغزاه ،فوصفت المشهد هذا بانه كابوس لا تستطيع تحمله لأنه أسوأ سيناريو كان يمكن ان تنتهي اليه الحرب في سورية .
ان عناق القوات السورية مع القوات العراقية على الحدود انما هو انتصار استراتيجي كبير لمحور المقاومة الذي جاء الحريق العربي لتفكيكه وتصفيته، ولكنه الان يستعد للخروج من الحريق بتماسك وقوة تفوق ما كان عليه قبل العدوان، وان ما كانت تحذر منه إسرائيل وعملاؤها في المنطقة من إقامة «الهلال المقاوم» القوي المتماسك بات حقيقة اليوم ولن يجدي اميركا نفعا ما قامت به من مناورات وقمم في الرياض، فالميدان هو من فيه الكلمة الفصل.
و على هذا بات ممكناً القول ،ان الحرب على سورية تتهيأ لإخماد النار بعد ان اسقطت خطة اسقاط سورية ، ثم اسقطت خطة تقسيمها ، ثم اسقطت مقولة سورية المفيدة التي تكتفي فيها الحكومة بمناطق الكثافة السكانية و تتنازل عن البادية والصحراء و مناطق الخيرات و الثروات الطبيعية ، و الان تسقط سورية و حلفاؤها خطة منطقة العزل و الفصل على الحدود الشرقية ، فتسقط السهم الأخير الذي كان متبقيا في جعبة العدوان ، و هنا يمكن فهم ما ذهبت اليه روسيا من القول بان الحرب في سورية عمليا توقفت او ستتوقف ، لان ما تبقى من مواجهات و مهام تطهير لا تعتبر من قبيل المواجهات الاستراتيجية الأساسية .