إنه أشبه بحلم الحصول على «فيزا» وعقد عمل لبناء حديقة على القمر .. ولو أن الأحلام تحتاج إلى جواز سفر لكان الحلم تحول إلى كابوس..؟! حتى الآن الكثيرون لا يجدون تفسيراً منطقياً لمعضلة جواز السفر.. بدءاً من رحلة التسجيل على المنصة التي تعاني، حسب التصريحات الرسمية وغير الرسمية، من الضغوط بسبب الأعداد الكبيرة التي تدخل للتسجيل في الوقت ذاته والتي تجعل الدخول إلى المنصة من ثامن المستحيلات؟! وهذه المعضلة تعود لسنوات طوال. وأمام تحدّي التسجيل على المنصة، الذي من النادر أن يحالفك فيه الحظ ما عليك إلا الذهاب إلى المكاتب التي كأنه توجد لديها “كلمة السر” وتقوم بالتسجيل، ومن الممكن أن تتابع كل أمورك للحصول على جواز السفر لكن بتكلفة تصل لبضعة ملايين.. فكيف للدراويش ومن أين لهم الحصول على الدفتر الذهبي؟ !
لا يزال لغز التسجيل والحصول على جواز السفر عصياً على الفهم، رغم أن التبشير والإعلان عن الخدمات الحكومية لقيا استحساناً في الشارع.. لكن النتيجة مع منصة جواز السفر هي بلا شك مخيبة للآمال والطموح .
قبل تطبيق المنصات والخدمات الحكومية الرقمية كان الشارع متلهفاً لأخبار الحكومة الإلكترونية، فبعد سنوات وسنوات اقترب البعيد.. وحال المواطن تقول: «أنا بانتظارك عانيت!»، فليس هناك ما يدخل الفرح والسرور إلى قلب المواطن أكثر من استقبال خدمات الحكومة الإلكترونية عبر حاسبه أو هاتفه المحمول !
يا سلام .. تخيل أن كل ما تحتاجه للحصول على أوراقك ومعلوماتك الشخصية الرسمية هو الرقم الوطني وتاريخ الميلاد لطلب شهادة غير محكوم على موقع وزارة العدل.. وكذلك للاستعلام عن الذمم المالية المستحقة على موقع وزارة المالية.. وأيضاً الرقم الوطني ورقم الهوية لتسجيل حساب على بوابة الحكومة الإلكترونية لتتمكن من النفاذ إلى بيانات دفتر العائلة وجواز السفر لدى دائرة الأحوال المدنية والهجرة والجوازات، والاستعلام عن ضريبة العقارات والدعاوى القضائية الخاصة بك لدى وزارة العدل.. حمّل البيانات وشغّل الطابعة واحصل على أوراقك الرسمية!! واعمض عينيك وتخيل أن فضائل الحكومة الإلكترونية لا تقف عند هذا الحد! فلم تعد هناك دواعٍ للهرولة خلف «الواسطات» أو دفع مبالغ فوق الطاولة أو من تحتها والأهم انتهاء رحلة «السبع دوخات» في دهاليز المديريات المختلفة.. ويمكن القول إن المواطن سيجد في الحكومة الإلكترونية ضالته المنشودة في اختصار الوقت والجهد والمال.
لكن نصيحة.. السيد المواطن حمّل التطبيق وأدخل كلمتي المرور والسرّ..؟!
وكلنا ثقة بأن الحكومة ستقوم باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية البيانات الشخصية للمواطنين وتشفيرها للتحقق من شرعية صاحب الطلب بالنفاذ إليها. يعني ذلك أنه حتى أفراد العائلة الواحدة لا يستطيعون تناقل البيانات الشخصية والمالية بين بعضهم بعضاً، وكذلك الموظفون الذين يعملون على البرنامج لا يمكنهم الحصول على معلومات العملاء (في البنوك وشركات الاتصالات والفنادق وشركات تأجير السيارات ودائرة الأحوال المدنية.. إلخ).
تخيل لا قدر الله.. في حال إقرار مشروع قانون حماية البيانات الذي ما زالت تعمل الجهات المعنية على نسخته الأخيرة، قبل استكمال أمن المعلومات الذي يحمي حسابات ومعلومات المواطن من المتطفلين سيكون الأمر أشبه بمؤسسة الإسكان التي تعطي المواطن مفتاحاً لمسكنه الجديد وتبقي مفتاحاً احتياطياً مع الموظفين ومعه العنوان والتفاصيل حول مالك العقار، ولا شك بأن ذلك يعني اختراق ذلك العقار وما يقابله من اختراق أمن معلومات المواطن، ولذلك فإن المؤسسات الحكومية تتحمّل المسؤولية القانونية في حال عدم اتخاذها تدابير تقنية أو إجرائية مناسبة لتأمين أمن بيانات المواطنين الذين تخدمهم. صحيح أن الأموال التي خُصّصت لتقديم خدمات الحكومة الإلكترونية كبيرة والفترة الزمنية التي انتظرها المواطنون لتطوير الحكومة الإلكترونية طويلة أيضاً ولكن المجازفة في موضوع الاختراقات الأمنية وخسارة ثقة المواطنين بالحكومة الإلكترونية أشدّ ضرراً وأكثر تكلفة.
وقبل الختام حبذا لو تنتهي معاناتنا مع منصة جواز السفر.. لأن الأمر بات يشكل همّاً حقيقياً لكل من يحتاج لجواز السفر من طلاب وباحثين عن فرص عمل وغير ذلك.. فهل من آذان مُصغية؟!