تأملات في شتاء حلب . صفاء بوزان مصطفى

حلب مدينة القصص والتاريخ، لطالما اشتهرت بزخارفها الثلجية خلال فصل الشتاء، وأجواء الحب التي كانت تعم المدينة فرحاً بقدوم هذا الفصل، في الوقت الذي كان كل ما يحتاجه الناس متوفراً ومتاحاً بشكل كبير، فيجلسون مع ذويهم يتأملون تساقط الثلوج النقية على أطلال المباني القديمة والأزقة الضيقة، وهطول حبات المطر على بيوتها القديمة التي كانت ولازالت رمزا لجمال المدينة وشاهدا على ماضيها العريق، فتتحول المدينة إلى لوحة فنية تشد الزوار والمسافرين من مختلف أنحاء العالم، لتجتمع فيها روح الاحتفاء بالتراث التاريخي مع مشاهد الطبيعة الخلابة فتخلق تجربة ساحرة لكل من يختبرها.

في وقتنا الحالي لم تعد حلب كما كانت سابقا، فمثلها مثل أي مدينة سورية عانت من ويلات الحرب، باتت حلب حزينة في شتائها ووجهها اختلف عن المألوف، فعروس سورية التي كانت رمزا للجمال سابقا باتت حزينة في شتائها، يفتقر أبناؤها إلى أبسط مقومات العيش ليقاوموا برودة الشتاء، كلنا نعلم بأن السوريين وبالأخص المجتمع الحلبي مشهورون بتخزين المواد الغذائية لفصل الشتاء “المونة” الأمر الذي بات صعبا ومستحيلا بالنسبة لبعض الأهالي من ذوي الدخل المحدود، فباتت الأسعار أعلى من دخل المواطن بكثير، ولا يتوقف الأمر على المواد الغذائية بل تعداها إلى ارتفاع سعر المحروقات وقلة ساعات الكهرباء والصعوبة الأكبر تكمن في عدم التمكن من شراء الألبسة الشتوية التي بات سعرها يفوق الخيال.

تحديات الشتاء كثيرة ومقومات العيش قليلة مقارنة بطقس الشتاء والظروف المعيشية التي بات واضحاً للجميع صعوبتها، لم يتوقف الأمر هنا بل بات وضع المواصلات في الشتاء مثيرا للقهر بالنسبة للمواطنين الذين يعملون ولطلاب الجامعات، فبات من الصعب أن يصل الطالب إلى دوامه، أو الموظف إلى عمله دون تأخير، بسبب صعوبة إيجاد وسائل النقل والتكلفة العالية التي يطلبها أصحاب تكاسي الأجرة.

تحتاج حلب إلى تعزيز البنية التحتية وتطوير الخدمات العامة، وتوفير وسائل التدفئة وزيادة عدد ساعات الكهرباء وتأمين وسائل النقل للمواطنين وبالأخص لطلاب الجامعات لسهولة وصولهم لكلياتهم، ولضمان تأمين احتياجات السكان خلال موسم الشتاء يجب أن تركز جهود الحكومة على كل هذه النقاط لتوفير وتأمين معيشة صالحة للمواطنين.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يبقى إقبال فصل الشتاء في حلب فرصة للاستمتاع بالجمال الفريد للمدينة والتواصل مع التراث الثقافي الغني والتاريخ المجيد الذي تتمتع به، ولا بد من تضافر الجهود المجتمعية والحكومية حتى تكون مفتاحاً  لتجاوز التحديات وتعزيز الاستدامة والازدهار لمدينة حلب خلال فصل الشتاء وعلى مدار السنة.

اخبار الاتحاد