آفاق.. نَتْح إعلامي

 نهلة سوسو

 

جاء، صحفيّاً، إلى جريدة رسميّة رصينة واسعة الانتشار، وما إن  نُشر اسمه على زاوية صغيرة حتّى أخرج من جيبه شيئاً سيّىء الطّباعة بحجم الكفّ سمّاه ديواناً شعريّاً ووزّعه بصمت ورأسٍ محنيّ وكتفٍ أيمنَ مائل، لزومَ أحزانه على حبيبة متكبّرة، هي ليلى وعفراء ولبنى، وهو قيس وعروة وتوبة! وما لبث التّشهير أن زفّ منكودة الحظّ  إلى الوسط الثّقافي والإعلامي كلّه!. لم يَنَل الصحفيُّ، الذي أضاف إلى نفسه صفة شاعر وأديب، أسوةً بغابرييل غارسيا ماركيز وجمال الغيطاني، نصيباً من الوسامة والجاذبيّة اللتين تلفتان النّظر لكنّه أتى سلوك القطّ اللّحوح لا يبالي بالزّجر والنّهر والرّكل محتفظاً بتلك النّظرة التي تستجدي الإشفاق وكان يرقب الكتّاب الكبار بعيْنَيْ « يوريا هيب» في رائعة «تشارلز ديكنز» «ديفيد كوبرفيلد»، لا أحد يفطن إلى ما في جوفه من رفض للذّات، يرافقه، عادةً، إنكارٌ لكلّ جمال في قولٍ وفعل، ويوم لفّقَ نصّاً من قراءاته لكتّاب عالميّين ونسَبَه إلى شاعرة مغمورة وورّطَ، بنقده، أقلاماً محترمة، بلغَ قمّة سعادته وراح يمشي مَرَحاً في أروقة الجريدة، تغذّيه وتسعده النّظرات المتبرّمة من سلوكه غير المبرّر!.في مقهى الرّوضة الشّهير وسط دمشق، صار يجلس وهو عاجزٌ عن تصويب ظهره المحنيّ، يبتسم تلك الابتسامة المنطفئة كلون بشَرَته الشّاحبة التي غزاها النّمَش وإذا لم يجد كلمة مفارِقَة ومستفزّة بقي صامتاً، بارد الأسارير، موحياً أنّه غارقٌ في أزمات الفكر التي لا حلّ لها حتّى هبّ ذات يوم وصرخ محيّياً صاحبَ اسمٍ، تعمّد أن يكون ملتبساً في آذان الروّاد الذين ظنّوه في البداية أحد الوزراء وتبيّن فيما بعد  أنّه يقصد وزيراً أميركيّاً، هو رأس حربةِ غزو العراق! وحين رأى نظرات الاستنكار التي اشتراها بكل قواه بدأ يمشي مختالاً في متاهته وصار التّشهير بتلك الحبيبة ذات الحظّ العاثر، وراء ظهره، بل كان تمريناً بسيطاً للتّشهير بالوطن كلّه! بئراً من ماء آسنٍ كان! نبتةً، كلّما نتَحَتْ ماءها تقطّرت منه سموم!، ما لبث أن احتوته محطّةٌ إخباريّةٌ ضاربة، أشهرت ميثاق الشرف الصحفي من دون أن يرفّ لها جفن ووظّفته لخدمة التّلفيق وكسرِ كلّ خطوط المحرّمات! هناك وجد نفسه، سائباً في مستعمَرَةٍ تنشطر الخلايا فيها بأسرع من الجراثيم المزروعة للاختبار، مستجيبةً للمال الأخضر، مقابل الإتلاف والتلويث والتوسيخ والتشويه والهدم والتخريب، خارج كلِّ ما صُنّف في منظومة الإعلام ومدارسه، لكنّ البحث في العُقَد النّفسيّة وعلاقتها بالمهن البشريّة، بقي في منفعته، يرشد إلى أنّ السفّاح لا يمكن أن يكون طبيباً جرّاحاً وأنّ المرأة العصابيّة لا يمكن أن تكون ممرّضة، وأنّ العدوانيّ لا يمكن أن يكون مديراً ناجحاً وأنّ الذي ضربته عقدة النّقص الناتجة عن النّبذ والتحقير لا يمكن أن يكون إعلاميّاً وهو يُشهِر جنون العظمة والإفراط في تلميع أساليب الأذى لتأكيد الذّات ولفت الأنظار في مهنة أُسّسَت لدحض التّضليل والوعي الزّائف، وهما أصل المأساة البشريّة التي تنساق إليها الجموع، وتجعل الضّحيّة تشارك الجلاد في وضع رأسها على النّطع وهي لا تعي أين خلاصها وكيف الطّريق إليه مادام  النّتْحُ مستمرّاً من مسام التعرُّق والتّنفُّس معاً  عند مثل هذا «الإعلاميّ» وأشباهه..

اخبار الاتحاد