حدود الفصل والتهدئة

مصطفى المقداد

سيأخذ موضوع اتفاق آستنة ٤ الكثير من النقاش والمد والجزر حول مدى إمكانية ضمان تنفيذه أولاً وقدرته في الدفع باتجاه مسار سياسي فعال يمكن أن يفضي إلى اتفاق سياسي بضمانة دولية وأممية وإقليمية خلال المستقبل القريب،

فالاتفاق من جانب يحدد خطوات أكثر عملياتياً لرسم خرائط تواجد الإرهابيين من تنظيمي داعش والنصرة وبالتالي رسم خطوط المواجهة البعيدة عن أي اختلافات نتيجة المواقف السياسية المتباينة، إذ لن يكون بإمكان الحكومات المشاركة بالعدوان على سورية توجيه اتهامات تحت أي ذريعة ممكنة، وسيكون الإرهابيون في مرمى القوات المسلحة الباسلة في الوقت المفترض أن تسهم المجموعات المسلحة السبع والعشرون التي وافقت على اتفاق آستنة ٤ في محاربة الإرهاب بالتنسيق مع الحكومة السورية ما دامت في مرحلة اتفاق معها، وليس اللعب على الاتفاق والقيام بعمليات خرق للاتفاق كما جرت العادة، وهو أمر متوقع على كل حال، وفوق هذه الحالة القلقة يبقى التباين في دور الجهات الضامنة للاتفاق وحتى الجهات المراقبة وهي الأردن والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، وهنا قد يختلف الدور وفقاً للمنطقة وتبعاً للموقف السياسي من الدولة السورية أصلاً، ففي مقابل الدور الروسي كدولة ضامنة عظمى تلتزم القوانين الدولية وتحترم ميثاق الأمم المتحدة وكل الاتفاقيات والمعاهدات يقف الدور التركي المشبوه دوماً نظراً لعدم التزامه باتفاق حتى الآن فهو ينصاع لعوامل الضغط ولا يلتزم المعاهدات والمواثيق طواعية واحتراماً لتوقيعه على تلك الاتفاقيات والمعاهدات، وهو مستعد بالتالي للتراجع عنها والنكث بها في أي لحظة يجدها مناسبة للعودة إلى حلمه الاستعماري الرجعي والمتخلف في آن، ولذلك فإنه يرى في المناطق القريبة منه وخاصة في إدلب وحلب وشمال اللاذقية مجالاً حيوياً يمكن التحرك فيه لفرض سيطرة بعض المجموعات المسلحة المرتبطة بأجهزة أردوغان مباشرة على تلك المنطقة تحقيقاً لحلم المناطق الآمنة التي قد يتوهم أردوغان أن اتفاق تخفيف التوتر قد يمهد لمشروعه العثماني  خلافاً لكل مجريات الأحداث والتطورات الميدانية. ‏

ويبقى الأمر في الجنوب رهناً كذلك بالدور الأردني الذي شارك كمراقب للمرة الثانية في آستنة، فغرفة عمليات الموك عادت لتتابع نشاطها بعد توقف  نظري كان قد تم الإعلان عنه سابقاً لتعود إلى دورها التآمري بصورة أشد عدواناً من خلال اجتماعات لضباط استخبارات أميركيين وسعوديين وصهاينة إلى جانب ضباط أردنيين وقادة مجموعات مسلحة من الجنوب ممن وافقت على وقف الأعمال القتالية.‏

هذه القضايا المتداخلة تبقي باب الاحتمالات مفتوحاً أمام محاولات أصحاب المؤامرة للانقلاب في  أي لحظة، علماً بأنه في المقابل تكمن عوامل القوة الذاتية والضامنة في حدود الفصل، فالاتفاق يجعل سورية أكثر قوة على مواجهة محاولات التقسيم بل ويضمن وحدتها السياسية بحدودها الجغرافية المعروفة ويدفع بقوة لضمان التوافقات السياسية القادمة، سواء كانت في جنيف أم انطلقت من الداخل السوري، وهو لا شك سيكون له دور أكثر فاعلية وتأثيراً في صياغة ملامح الخروج من العدوان وإنهائه.‏

 

اخبار الاتحاد