الحق السوري

مصطفى المقداد:
قد يكون المؤتمر الذي عقدته الجمعية السورية البريطانية على مدى يومين في جامعة دمشق محطة حوارية وأنموذجاً للمصارحة بكل ما ناقشته من قضايا ومشكلات, فالمكاشفة ظهرت بجلاء كواقع معاش وممارس, وليس تقليداً وتشبهاً بالديمقراطيات المزعومة.

هذا في العموم, وإن كان الأمر لايخلو من محاولات تهرب من المواجهة والإجابة.‏

فالجو العام فرض نوعاً من المكاشفة والمصارحة وإن كان بعضها اتصف بنقص بالمعلومات, أو برؤية غير متكاملة للحالة في بعض الأحيان, كانت القضايا المطروحة على قدر عال من الأهمية باعتبارها تلامس حياة المواطن بشكل مباشر، فأزمات الوقود والكهرباء والنقل ت رتبط بقضايا الإصلاح الإداري والقضائي والتشريعي كونها العوامل التي تؤثر في توسيع دائرة الفساد إذ إن التعليمات التنفيذية والممارسات تفرغ الكثير من القوانين والتشريعات من مضامينها وتبعدها عن أهدافها المنشودة.‏

وبالتركيز على الواقع المعيشي للمواطن في ظل الحرب العدوانية الكبيرة فإن وضع المستشفيات والمراكز الصحية والرعاية الصحية الأولية تضررت بصورة كبيرة على أيدي الإرهابيين وانعكست تراجعاً في الخدمات الطبية ونقصاً في الأدوية والتجهيزات والمواد المخبرية وغيرها وهدرت مقدرات التعليم العالي في إعداد الخريجين والمختصين الذين غادروا البلاد لأسباب شتى ليقدموا خبراتهم لأوروبا وغيرها بالمجان، مايعكس بعضاً من حالة استنزاف المقدرات الوطنية ضمن آليات التدمير العدواني الممنهج على مدى أكثر من ست سنوات الأمر الذي يفترض البحث عن آليات وأساليب للخروج من آثار ذلك الدمار والتخريب ووضع سياسات تنفيذية اعتماداً على المقدرات الذاتية أولاً, مافتح الباب واسعاً في المؤتمر للبحث في إعادة بناء الاقتصاد الوطني واسترجاع المستوى المعيشي للمواطن حيث تباينت الرؤى والمواقف في تحديد السياسات القابلة للتنفيذ بعيداً عن التنظير والدراسات الأكاديمية التي لم تتطرق إلى دراسة حالة تشبه الحالة السورية بتفاصيلها فليس من قطاع نجا من التدمير والتخريب والتراجع والنقص وهو أمر يختلف كثيراً عن واقع الدمار الذي أصاب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وإن كان لابد من الاستفادة من تجارب إعادة الإعمار مع التركيز على الخصوصية السورية والتدخلات الخارجية التي لن تنتهي كلياً مع انتهاء العدوان بالانتصار الأكيد.‏

وبعيداً عن الجانب الذاتي الذي يعطي المؤتمر دفعاً قوياً فإن طبيعة المشاركة والمداخلات تؤكد أن سورية على الرغم كل نتائج العدوان فإنها مازالت تزخر بالطاقات الأساسية وإن كانت لا تعكسها نشاطات الحكومة والجهاز التنفيذي، فالعلاقة ما بين الحكومة والقطاع العام من جانب و القطاع الخاص من جانب آخر تدخل مرحلة التعاون الأكبر وربما الأمثل، لأن رجال الأعمال من صناعيين وتجار ومستثمرين ممن ثبتوا في سورية يمثلون التزاماً وطنياً في ميادين عملهم وأنشطتهم، وهو أمر مقدر ومفهوم من جانب الحكومة وهو يبشر بالكثير من احتمالات النجاح مستقبلاً.‏

والخلاصة إن الاتهامات كانت مصوبة دوماً باتجاه الحكومة ووزاراتها كلها ، وهو أمر طبيعي لأن السلطة التنفيذية تتحمل تطبيق السياسات وتحويلها إلى برامج يستشعر نتائجها المواطن بصورة مباشرة، وإلا تبقى شعارات وتصريحات جوفاء وصرخات في وديان تردد أصداء لا معنى لها.‏

اخبار الاتحاد