أحد العناوين الكبيرة التي خرجت بها قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في الصين في أواخر عام 2015 هو تصديق الصين والولايات المتحدة على اتفاقية باريس للمناخ.
وتأتي أهمية مصادقة هذين البلدين من أنهما يصدران معاً نحو 40% من الانبعاثات العالمية للغازات الملوثة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي اتفاقية باريس وأسباب نشوئها؟ وما أهم أهدافها؟
هذا ما اهتم بالإجابة عنه مقال نشره موقع «وورد إيكونوميك فورم» أوضح فيه أن تغير المناخ هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، فهو يتسبب في زيادة الظواهر المناخية الشديدة في شتى أنحاء العالم مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير.
وإقراراً بذلك، فإن مسؤولي 179 دولة يضاف إليها الاتحاد الأوروبي قضوا أسبوعين في باريس في كانون الثاني من عام 2015 لبلورة الصيغة النهائية لاتفاق يهدف إلى الاحتفاظ بدرجة حرارة الأرض بمستوى أقل بكثير من مستوى 2 درجة مئوية فوق المستوى الذي كانت عليه في أزمنة ما قبل الصناعة، والسعي لتقليلها إلى مستوى 1.5 درجة مئوية في المستقبل، علماً أن الانخفاض في درجة الحرارة لا يتحقق إلا من خلال تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة بشكل كبير للاحتباس الحراري.
كما تنص اتفاقية باريس للمناخ على مراجعة مساهمة كل دولة في تقليل انبعاثات الغازات كل خمس سنوات بما يسمح بقياس حجم مواجهة تحدي التغير المناخي، وتدعو إلى تقليل كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من نشاطات الإنسان، وتُطالب الدول الغنية بتقديم مساعدات للدول الفقيرة وتزويدها بتمويلات لتمكينها من التأقلم مع التغير المناخي والانتقال إلى مصادر طاقة متجددة. فكان المؤتمر الحادي والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ واحداً من أكبر المؤتمرات التي جمعت مسؤولي دول العالم على الإطلاق.
وقد تعهد كل من حضر الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف بالحد من الانبعاثات فيما يعرف بـ «المساهمات المقررة على الصعيد الوطني»، وعلى سبيل المثال فقد تعهدت الولايات المتحدة بخفض انبعاثاتها إلى ما دون مستويات عام 2005 بنسبة تتراوح بين 28,26% في حين تعهدت الصين بأنه بحلول عام 2030 ستقوم بتخفيض ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي بنسبة 65,60% مقارنة بمستويات 2005، إضافة إلى زيادة مخزون الغابات بنحو 4,5 مليارات متر مكعب مقارنة بالعام ذاته وزيادة الوقود غير الأحفوري في استهلاك الطاقة الأولى إلى نحو 20% . ومن جهته، فإن الاتحاد الأوروبي يعتزم خفض انبعاثاته بنسبة 40% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 1990.
وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الرابع من تشرين الثاني عام 2016 بعد أن قامت 55 دولة بالانضمام إليها بينما يمثل نحو 55% من الانبعاثات العالمية، ووجب على أي طرف أو بلد قبل الانضمام رسمياً إلى الاتفاقية القيام بثلاث خطوات أساسية هي:
أولاً: اعتماد الاتفاقية
وهو الأمر الذي دار حوله مؤتمر الأمم المتحدة لعام 2015 آنف الذكر، وقد وافقت جميع الأطراف التي حضرت الاجتماع على اعتماد اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
ثانياً: توقيع الاتفاقية
في 22 نيسان من عام 2016 فُتح باب التوقيع على اتفاقية باريس في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك الأمريكية، وتشير هذه الخطوة إلى التزام البلد الموقع بالامتناع عن الأفعال التي من شأنها أن تحبط الهدف والغرض العام من الاتفاقية، في حين انتهت مدة التوقيع في 21 نيسان من العام الجاري.
ثالثاً: الانضمام إلى الاتفاق
يتعين على كل طرف أن يصدق على الاتفاقية، أي العودة إلى حكومته من أجل الحصول على موافقة محلية، أو في بعض الحالات تمرير الاتفاقية بموجب القانون المحلي، وقد صوتت الصين على سبيل المثال لاعتماد «اقتراح مراجعة اتفاقية باريس والتصديق عليها» في الجلسة الختامية للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، بينما استخدمت الولايات المتحدة اتفاقية تنفيذية رئاسية.
وبمجرد التصديق على الاتفاقية تقوم الأطراف بتقديم صك تصديق أو قبول أو موافقة إلى الأمم المتحدة لإثبات استعدادها للانضمام.
وحتى إعلان الولايات المتحدة والصين، لم يصدق على الاتفاقية سوى 24 بلداً (مسؤولة عن نحو 1% من الانبعاثات العالمية) في حين وقعت 180 دولة عليها.
وقد عزّز كلا البلدين الهدف الرئيس للاتفاقية المتمثل بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55٪، حيث يمثلان معاً 37.98٪ من الانبعاثات العالمية، وبذلك يصل مجموع الأطراف التي انضمت إلى الاتفاقية إلى 26 طرفاً.
وقد أدى إعلان بكين وواشنطن إلى الضغط على الأطراف الأخرى بما فيها الاتحاد الأوروبي لتسريع عملية التصديق، وكانت بعض الدول المسببة للتلوث بنسب كبيرة قد أعلنت فيما سبق أيضاً أنها تعتزم التصديق على الاتفاقية بحلول نهاية عام 2016 وبدورها صدقت اليابان بعد أربعة أيام من بدء سريان الاتفاقية رسمياً.
وبمجرد أن ينضم أحد الأطرف إلى اتفاقية باريس فإنه لا يستطيع بدء عملية الانسحاب قبل مضي ثلاث سنوات، وبذلك يكون قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس العالمية لمكافحة التغير المناخي مخالفاً لقواعد الأمم المتحدة التي تنص عليها الاتفاقية، ويؤدي إلى إفساد الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات الحرارية.
ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فقد استطاع ترامب بقراره أن يحول «أمريكا أولاً» إلى «أمريكا معزولة»، حيث خلق الرئيس الأمريكي بانسحابه من اتفاقية باريس فراغاً في القيادة العالمية سيقدم فرصاً مثمرة للحلفاء والخصوم على حد سواء من أجل إعادة تنظيم هيكل القوى العالمية.
وجاء القرار الأمريكي بمنزلة «هدية» استراتيجية للصين التي تتوق لملء الفراغ الذي تتركه واشنطن حول العالم في كل شيء بدءاً من قواعد التجارة وصولاً إلى مشروعات البنية التحتية التي تمنح بكين نفوذاً واسعاً.
إن قرار ترامب مخزٍ، والأجيال القادمة وحدها ستكون قادرة على حساب العواقب الكاملة لنهج ترامب قصير النظر بشكل لا يصدق حول التغير المناخي، لأنهم من سيعاني من ارتفاع مياه البحار والجفاف الذي يقول العلماء إنه أمر لا مفر منه ما لم يحد العالم من انبعاثات الوقود الأحفوري.
بينما أكدت صحيفة «واشنطن بوست» أن قرار ترامب يجعل من الصعب، ما لم يكن من المستحيل، على العالم أن يظل على مسار تحقيق هدف متفق عليه دولياً بالحد من الاحتباس الحراري العالمي الخطر.