التدخل الأميركي في إيران يفضي إلى التخريب والدمار

 

ترجمة: ليندا سكوتي

تلبية لدعوة تلقيتها، توجهت إلى إيران لإلقاء محاضرة في جامعة طهران حول حقوق الإنسان وما يسمى بـ “التدخل الإنساني”، لأن ما نشهده على أرض الواقع يؤكد بأنه ليس ثمة تدخل إنساني أو حتى تدخل يقود إلى نتائج إنسانية بل إن ما نشهده كان على النقيض من ذلك بتاتا.

دأبت الجهات الرسمية ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة على الادعاء بأن إيران تكن العداء لنا، وأنها أحد مقومات “محور الشر” لذلك يتعين علينا معاقبتها ومحاربتها وبذل قصارى جهودنا لتغيير نظام الحكم فيها. ولتبرير العداء إلى إيران قيل لنا بأنها “دولة راعية للإرهاب”، ذلك الادعاء الذي يثير الاستغراب والاستهجان في نفوسنا، خاصة وأنها تعتبر العدو اللدود لداعش والقاعدة بل سبق وأن تمت الاستعانة بها في محاربة القاعدة وطالبان بعد هجمات 11 أيلول، في الحين الذي نرى به السعودية تعتبر حليفا مقربا لأميركا وتم عقد صفقات أسلحة معها بقيمة 110 بليون دولار على الرغم من أنها تدعم سرا وعلانية داعش والقاعدة على مدى سنوات عديدة. ونستذكر في هذا السياق بأن 15 من أصل 19 من منفذي هجمات 11 ايلول كان من المملكة العربية السعودية التي يبدو بأنها قدمت الدعم والتحريض لبعض منفذي تلك الهجمات.‏

ما يثير الدهشة والاستهجان القول بأن إيران ترعى الإرهاب علما بأن الولايات المتحدة هي ذاتها من يقدم الدعم والمؤازرة والرعاية لتنظيم مجاهدي خلق الذي يسعى لإسقاط الحكومة الإيرانية، على الرغم مما نشهده من شعبية متدنية له في إيران، وقد سبق للولايات المتحدة أن اعتبرته تنظيما إرهابيا منذ عام 1997 حتى 2012. كما وأن صحيفة ذي غارديان اللندنية ذكرت بأن تنظيم مجاهدي خلق “كان مسؤولا عن مقتل آلاف المدنيين الإيرانيين” منذ عام 1981 وكان له دوراً فعالا في حصار السفارة الأميركية في إيران عام 1979 وأسر رهائن أميركيين، وقتل عدداً من الأميركيين في سبعينيات القرن الماضي. ومع ذلك فإن تنظيم مجاهدي خلق بات اليوم مقربا من شخصيات سياسية أميركية على غرار جون بولتون، ونيوت غينغريتش، وجو ليبرمان، وهوارد دين، ورودي جولياني.‏

مزاعم أخرى اتهمت بها إيران من حيث كونها دولة استبدادية وثيوقراطية معادية لقيمنا الغربية وكأنه لدينا معايير دقيقة لتلك القيم. بينما نجد الولايات المتحدة توثق علاقاتها مع المملكة السعودية الرجعية التي ما انفكت تسلب النساء حقوقهن. علاوة على ذلك، فإن أي زائر لإيران سيجد بأنها دولة متقدمة، تحاكي الدول الغربية في تطورها والكثير من سكانها يجيدون التحدث باللغة الانكليزية. كما وأنها دولة تستطيع فيها النساء الاكتفاء بارتداء غطاء بسيط للرأس، كالحجابات الحريرية الملونة، وقيادة السيارات بحرية، ويمكنهن أن يشغلن الوظائف في شتى القطاعات.‏

في خضم الحديث عن “تغيير النظام” في إيران فإننا نتساءل عن النظام الذي يمكن أن يكون بديلا عنه؟ وكيف ستتم عملية التغيير؟. ويحضرنا في هذا المقام ما ارتكبه الغرب لتغيير الأنظمة في دول مثل ليبيا حيث سعى لإسقاط معمر القذافي، لكن ما حصل هو تهجير المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية والقضاء على التراث التاريخي لهذا البلد. ومن وجهة نظري، يبدو بأن الغرب يخطط لاستنساخ ذات السيناريو الليبي في سورية حيث يعمل جاهدا لإسقاط الدولة السورية عبر دعم ما يسمى “المتمردين المعتدلين” غير الموجودين أصلا على أرض الواقع. علما بأن ما أقدموا عليه من تغيير للأنظمة في العراق وأفغانستان لم ينجم عنه سوى قتل الآلاف، ودمار دول بأكملها، وتنصيب حكومات ضعيفة.‏

أتوجس خيفة إزاء مما يعد لإيران في ضوء ما تسعى إليه الولايات المتحدة من تغيير لنظام الحكم فيها. وأتساءل عما إذا كانت ستعمل على تنصيب تنظيم مجاهدي خلق الذي لا يحظى بالشعبية والاحترام؟ أم أنها ستنصب ابن الشاه الذي ينتشر الضجيج بشأن عودته .‏

في الواقع فإن إيران مجتمع آخذ بالتطور يوما إثر يوم. ويحكمها رئيس منتخب ديمقراطيا وشرعيا، ومجتمع مدني يدفع للإصلاحات وتحقيق مزيد من الحريات. لذلك علينا أن نقر بأن الشعب الإيراني هو من له الحق في تحديد مصيره ونموذج الحكومة التي تتسلم بلاده بعيدا عن ما يسمى “التدخل الإنساني” الذي تسوق له الولايات المتحدة.‏

اخبار الاتحاد