بسام هاشم :مدير تحرير جريدة البعث
باستثناءات لا تكاد تُذكر.. جمعت قمة اسطنبول الإسلامية يوم أمس – ضد ترامب! – ذات ديكور الدول والزعماء الذين كانوا توّجوا ترامب حليفاً، بل خليفة، للعالم الإسلامي في العاصمة السعودية، في أيار الماضي. وعلى نفس الخط، واصل السعوديون والأتراك منافستهما الشرسة والمبطنة على زعامة الإسلام الأمريكي. وانطلاقاً من هذا الوحي، كان هناك أمس من انتفخت أوداجه بالاستغفال الساذج والرخيص رافعاً في وجه ترامب نفس السيف الذي كان سلّمه إياه قبل أشهر. فيا لخيبة قدس باتت مادة للاتجار والتكسّب السياسيين، ويا لبؤس قمة هدفها الحقيقي استثمار مناخات الغضب والألم الشعبي، العربي والإسلامي، لتسهيل تمرير صفقة سياسية يرفضها الشعب الفلسطيني، لنيل رضا ومباركة ترامب – ومعه “إسرائيل”، في الطريق للفوز بقيادة عالم الإسلام الترامبي، “المعتدل”، و”الواقعي”، والمستميت لإنهاء الصراع، والمتعطّش لإقامة علاقات “شرعية وقانونية وعلنية” مع “إسرائيل”.
لم يعكس الحضور ومستوى التمثيل خوفاً أو حرصاً على مستقبل القدس، بقدر ما عكس واقع التجاذبات والاستقطابات الجديدة بين الدول المتنطّحة لتزعم “معسكر الاعتدال” المترنّح والمتخبّط في هذا الوقت. لقد اختطف أردوغان مبادرة استضافة القمة بعد يوم من إعلان ترامب قراره، وترك العاهل الأردني يتوسّل السعوديين – دون جدوى – على أمل توجيه الدعوة لعقد قمة تحفظ لـ “خادم الحرمين” ولـ “العرش الهاشمي” بعض الدور، وبعض ماء الوجه. ولكن السعوديين ماضون في مشاريع التطبيع مع “إسرائيل”، وقد وضعوا كل رهاناتهم فيه. وهم لن يترددوا، ولن يأبهوا، ولن يتراجعوا، بل هم أصحاب المشروع؛ فيما أردوغان يتحيّن الفرصة لتسليم ترامب كامل مفاتيح عالم الإخوان المسلمين، الحركيين والتعبويين، من تركيا إلى سورية ومصر وقطر، إلى باكستان، وصولاً إلى الإخوان الأمريكيين. ولا بأس في ذلك، فالشعبوية حاضرة على الدوام. وبضع شتائم ليست مشكلة، ولن تحرف عن الهدف المطلوب. واللعب على الحبال مبرّر ومعهود، والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية قائمة مع “إسرائيل”، وعلى أفضل وجه، والعلم التركي يرفرف في تل أبيب، و”القمة “الطارئة” تعقد في بلد إسلامي يرتفع فيه العلم الإسرائيلي، و”مفاوضات السلام” الفلسطينية – الإسرائيلية ستستمر، وإن كان هناك من بات يشكّك بالإدارة الأمريكية الحالية، فالظرف يفرض، ولكن أردوغان متأهّب للعب دور الوسيط المقبول والمطلوب.. الوسيط المحايد، لا طالب الحقوق، بالتأكيد!.
هكذا بالضبط تتمّ المسارعة لعقد قمم تخسر فيها القضايا ويخسر أصحابها، فيما لا يربح إلا المنافقون والانتهازيون. قليل من التباكي، وبعض من التجاوز المنضبط – وفي حدود المسموح، والكثير من الردح المجاني والرخيص، على شاكلة “الرد بإعلان القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين”، وكأن هذا “الرد” كان يخضع للمماطلة والتسويف، وكأن صفاقة ترامب رفعت الغطاء عن حقيقة أنه كان الأجدر، أولاً، تحصيل حقوق الفلسطينيين من “أشقاء” في الدين، وحلفاء مفترضين، لطالما التزموا قواعد وتوجيهات وأوامر الغرب لـ “دعم” الشعب الفلسطيني، بمعنى الضغط عليه وإخضاعه للإملاءات والشروط.
لن تكون هناك يقظة في عالم إسلامي لا يعترف أولاً، وقبل كل شيء، بعروبة القدس، وبكل ما يتطلّبه ذلك من دعم لأصحاب القضية الأصليين في عموم بلاد الشام. ولن يكون مجدياً أي تضامن إنشائي صوري يعيد رهن قضية المدينة المقدّسة، وقضية الشعب الفلسطيني، والقضايا العربية، لمصالح وأجندات شخصية لبعض المتأسلمين المناورين والمنافقين. وعليه أي بيان لا يتضمن المطالبة بقطع العلاقات ووقف التطبيع مع “إسرائيل”، ويهدد – على الأقل – بتجميد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، استغلال لمأساة الشعب الفلسطيني، ولا يساوي الحبر الذي كتب فيه. وأية قمة تتغاضى عن عروبة القدس وتحاول تمييع الأمور من خلال التركيز على طابعها الإسلامي أو الدولي، إنما تهدد بفتح صراعات موازية داخل العالم الإسلامي على أمل ملاقاة ترامب في منتصف الطريق.