المرأة السورية عماد المجتمع وأحد أهم مقوماته فقد شغلت نصف المجتمع ما قبل الحرب وشكلت نسبة لا يستهان بها في قوة العمل والاقتصاد السوري ، وحظيت بمكانة مرموقة وشغلت مناصب عليا وأثبتت جدارتها بسوق العمل وكانت حريصة على اختيار نوع العمل وبيئته حسب مؤهلها العلمي وكفاءتها المهنية إلا في حالات معينة كانت تضطر للعمل تحت وطأة الظروف
خلال سنوات الحرب تغيرت النسبة لتصبح المرأة أكثر من نصف المجتمع حسب ما جاء في آخر استبيان أجرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان في عام 2021 وعوًل على جهودها الكثير . استطاعت المرأة السورية بكل جدارة الوقوف على قدميها وشقت طريق العمل لوحدها مثبتةً للجميع أنها تستطيع أن تكون كالرجل في ميادين العمل . أرغمتها ظروفها القاسية التي فرضتها الحرب للخروج والبحث عن عمل فمنهن من فقدن أزواجهن وأخريات فقدن منازلهن وغيرهن أولادهن وديارهن وما إلى ذلك ولم يتبق لهن من معيل لم يعد الخيار متاحاً أمامها لاختيار العمل أو إكمال الدراسة أو حتى البقاء في المنزل لرعاية أطفالها ، بل أجبرت على اتخاذ قرار العمل لتعيل أطفالها وأهلها وتثبت ذاتها في مجتمع باتت تحتل فيه الغالبية .
شغلت النساء الشابات العاملات نسبة 54% ويعملن بشكل غير نظامي في سوق العمل أما العاملات النظاميات فقد بلغت نسبتهن 20% فقط حسب دراسات احصائية سابقة في حين أصدر المكتب المركزي للإحصاء في سوريا بالسنوات الأخيرة تقريراً يبين أن نسبة العاملات ما بين 20-30 عاماً تشكل 64,2% فيما صرح رئيس اتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري بأن النسبة تزيد عن 70% على حين أن هناك بعض المصادر غير الرسمية تحدثت عن وصول النسبة لـ80% وقد كان للحرب أثرها في تغيير دور المرأة في القوى العاملة كما غيرت نوعية عملها بل وأفسحت المجال أمامها لأعمال كانت مقتصرة على الرجال .
المرأة السورية واقتصاد الظل :
لم يعد خافٍ على أحد ماهية اقتصاد الظل فهو كل نشاط اقتصادي غير قانوني سواء كان يمس مسائل مشروعة من الناحية الأخلاقية والنظامية العامة أو غير المشروعة حيث صنفت ” جمعية العلوم الاقتصادية السورية ” اقتصاد الظل ضمن نوعين الأول نشاط قانوني لكنه غير مرخص ويعرف باسم “الاقتصاد غير الرسمي أو غير القانوني ” لأنه لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته في الحسابات القومية وهو ما حاولت إلقاء الضوء عليه ولو بشكل عابر في هذه المادة الصحفية أما النوع الثاني فهو نشاط غير قانوني ويعرف باسم “الاقتصاد الأسود ” أو ” اقتصاد الجريمة ” لأنه يضم كل الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار والمتاجرة بالبشر بكلتا الحالتين فهو اقتصاد نشأ بالخفاء لا يخضع للضريبة ولا يمكن قياسه ولا يعول عليه بالدوام والاستمرارية ولا يسهم بالتنمية الاقتصادية إطلاقاً . كان اقتصاد الظل موجوداً ما قبل الأزمة وشكل عمل المرأة جزأ بسيطاً فيه من قوة العمل النسائية أما الآن وفي ظل الظروف الاقتصادية المتعبة التي فرضتها سنوات الحرب والحصار كان لا بد من انخراط المرأة بسوق العمل مرغمةً لا مخيرة من خلال قيامها بالعديد من الأعمال أو التأسيس لمشروعها الخاص وما إلى ذلك لتحقيق اكتفائها الذاتي وإعالة أسرتها.
ومضات من عمل المرأة :
بات المشهد يتكرر يومياً لنساء يبعن على أرصفة الشوارع منتجات الألبان والخضار وحتى المواد المقدمة من المنظمات الإغاثية ( منظفات – حرامات – حليب أطفال – زبدة الفستق ….. الخ ) من الصباح الباكر إلى ساعات ما بعد الظهر يبعن ما يتيسر لهن ويجنين الفتات .
امرأة ستينية تأتي من إحدى قرى جبل الشيخ يومياً مع بعض نساء القرية والقرى المجاورة يستأجرن سيارة تقلهم ذهاباً وإياباً مع بضائعهم .
تعرض بضائعها على الرصيف بالقرب من بنايات (14) مقابل السورية للتجارة بمنطقة الشيخ سعد بالمزة أما الأخريات
أم محمد – فاطمة ) فيتخذون من الرصيف الملاصق للسورية للتجارة مكان لهم ولكل واحدة منهن زبائنها وتتفرد بمنتج دون سواها … اعتاد سكان المنطقة على منتجاتها من الألبان التي تقوم بصناعتها في المنزل وأصبحت تتلقى طلبيات بالجملة من قبل الزبائن .
تحدت فضة ظروفها وتحررت من قيود وتقاليد الريف وعقليته مثلها كمثل العديد من النسوة لتصبح معيلة لنفسها بعد أن خسرت زوجها مفضلة العمل على أن تستجدي عطف الآخرين . نموذج البائعات القرويات يتكرر في العشرات من شوارع العاصمة والمدن الكبرى .
رفضت ذكر اسمها تقوم بجمع صناديق الكرتون الفارغة التي يلقيها أصحاب البسطات والأكشاك بالقرب من الوكالة السورية للأنباء (سانا) حيث تعمل على تقطيعها لأجزاء صغيرة تمهيداً لبيعها فعلى حسب ما صرحت به بأنها تهجرت من الغوطة منذ عام 2016 وتعمل هي وأبنائها لتأمين حاجياتها الضرورية
وآجار المنزل الذي تسكنه في إحدى ضواحي العاصمة .
إعداد الطعام والحلويات والمؤن ..
<span;>لطالما كان الطبخ وإعداد الأطباق والحلويات هوس المرأة وعملها الذي تبرع وتفنن فيه وبداعي الظروف اتخذت المرأة من براعتها في إعداد المأكولات وتجهيز المونة صنعة لها وهي في المنزل بتسويقها محلياً كالتعاقد مع المطاعم مثلاً أو التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
تجهيز الخضار للمحلات والمطاعم
تقشير البطاطا والجزر وتقطيعها
تقشير الثو فرم البقدونس حفر الكوسا والباذنجان والجزر وما إلى ذلك ….
البيع في الشوارعكبيع الخبز أمام الأفران – بيع البسكويت والشوكولا والعلكة وغيرها على بسطات أو عربات جوالة – بيع الألبسة والجوارب والمنسوجات اليدوية
أعمال التنظيف
كل ما يتعلق بخدمات التنظيف داخل المنازل أو المطاعم أو الفنادق أو شطف الأدراج …
كل ما سبق ذكره هي أعمال اعتادت المرأة السورية القيام بها إلا أن هناك أعمال حديثة العهد لم نعدها سابقاً بل لم تتجرأ المرأة العمل بها لأنها كانت مرتبطة بالرجال وحكراً لهم نذكر بعض منها على سبيل المثال :
أعمال البناء والطلاء
سائقات لسيارات أجرة ونقل داخلي وسيارات شاحنة
تصليح وتصويج سيارات
تصليح أدوات كهربائية والكترونية
البيع بمحلات الأدوات الصحية والعمل بهذه المهنة أيضاً
البيع على عربة لصنع (الغوفر ) وغزل البنات
بيع القهوة السريعة والشاي والدخان للسائقين والمارة
العمل بتنظيف الشوارع كعاملات معينات بصفة مؤقتة من قبل البلديات .
تسويق وبيع العقارات وتأجيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي
كل ما سبق ذكره آنفاً يجعلنا ندرك مدى قدرة المرأة السورية على تحمل أعباء وضغوط العمل ولا سيما الشاق منها غير أن هذا كله لا يجعلها تسهم في عملية التنمية الاقتصادية ولا يجعل منها قوة نافذة في سوق العمل فعملها مبطن بل مقنع وينطوي تحت مظلة اقتصاد الظل .
كيف نجعل من قوة العمل النسائية المهمشة مساهماً فعلياً ومحركاً أساسياً لعجلة التنمية الاقتصادية ؟
حتى نجعل عمل المرأة في العلن خارج منطقة الظل هناك العديد من الخطوات اتخذتها الدولة على عاتقها للنهوض بواقع المرأة من كل النواحي كـ :
تمكين المرأة اجتماعياً و اقتصادياً و إشراكها فعلياً في عملية التنمية الشاملة .
تشجيع المرأة ومساعدتها على زيادة مشاركتها الاقتصادية من خلال دعم برامج القروض والمشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر وتذليل العقبات أمامها وحثها على إقامة مشاريع انتاجية صغيرة هادفة من أجل تحسين دخل أسرتها .
مساعدة المرأة في الريف من خلال خطط معينة لدعم المرأة الريفية وهذا ما اعتمدته وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي منذ سنوات لتقديم الدعم والتنمية للمرأة الريفية ودعم المشاريع الريفية في مراحل الانتاج والتصنيع والتسويق .
خلق مشاريع واستدامتها وجذب اليد العاملة النسائية للعمل بها .
التشجيع المستمر على انشاء مشاريع جديدة مخصصة للمرأة .
مع ذلك كله تبقى تلك الخطوات خجولة وتسير ببطء شديد نظراً للظروف الراهنة وتداعيات الحرب وانطلاقاً من مقولة
أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام “علينا أن نبارك تلك الجهود المبذولة وكلنا أمل أن تكون بوادر خير في تفعيل الخطط وتنفيذ المشاريع على أرض الواقع بوتيرة وأداء أفضل .