الورقة التي قدمها رئيس اتحاد الصحفيين الياس مراد إلى ندوة الحوار التي أقامتها وزارة الثقافة

أي كائن على هذه الأرض ببحث عن الطرائق التي تحمي وجوده وتبعده عن المخاطر، ومن البديهي آن يكون الإنسان صاحب العقل والتفكير أولاً في ذلك… وفي الحالة التي يعيشها وطننا فإن الازمة تستدعي البحث والتقصي والتضحية من أجل حماية الوجود وتحصينه لأن هذا الوجود هو استمرار لتاريخ في الحضارات التي بنيت بدماء وعقول وتضحيات أجدادنا، واتصلت بنا لننتمي اليها ، ندافع عنها وندفع في وجه الأعداء الطامحين ، فسورية الأسطورة هي التي قهرت الأعداء عبر التاريخ مثلما احتضنت من جاء إليها مسالماً. فكانت على أرضها الحضارات مثلما كانت الحوارات بين الشعوب وبين تلك الحضارات التي بنيناها أو وصلت إلينا وصرنا ننتمي إليها، بل نعتز بها لأنها من صنع أجدادنا, وندافع عنها لأنها تمثل تاريخنا وحاضرنا، ونتمسك بالعمل للإضافة اليها كي نربط الماضي والحاضر بالمستقبل، وهذا كله لا يمكن أن يتم لولا أن شعباً عظيماً ينتمي إلى ثقافة وإلى ارض حملت هذه الثقافة واستطاع أن يؤسس لتاريخه ويبني حضارته ويحميها. والسؤال الكبير هل كان هذا ليتمّ لو ان الشعب الذي عاش فوق هذه الأرض كان مفككاً ومشرداً لا رابط بين أبنائه ولا جامع لهم ..!!؟ وللإجابة على السؤال نذهب للقول بأن العنوان المعبر لهذا المحور في ندوتنا “دور الحوار الوطني في دعم وجودنا” إنما يعيدنا إلى الماضي ويأخذنا إلى المستقبل ونفهم منه بأن المقصود بالوجود هو وجود الدولة السورية أرضا وشعباً وقيادة ومؤسسات، ولأن هذا العنوان يضع أي إنسان مهما كانت صفته أمام مسؤولياته ويدفع به لتقديم تضحيات كبيرة من اجل حماية وطنه، ويصبح من الواجب ان يتحرك الأفراد والجماعات والأحزاب والجمعيات والتنظيمات والمنظمات نحو بعضهم البعض في خطوة يساهمون فيها بدفع المواطنين لتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وبخاصة في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها سورية العربية التي يتآمر عليها كثيرون، من الخارج وبعض من في الداخل، ويساهمون في التمويل والتسليح والتحريض والقتل بهدف تمزيقها أرضا وشعباً وكياناً.

 

وكي لانقع في المحظور “ولن نقع” فإنه من البداهة ان نستجيب جميعاً الى نداء الوطن ونُقْبِلَ نحو الحوار الفاعل المسؤول الذي يجنبنا المزيد من الخلاف والاختلاف ويحمينا من الشرور التي أرادوها لنا ولأبنائنا واحفادنا، فمهما تباعدت وجهات النظر واشتد صوت الرصاص فلابد من العودة الى الساحة المفتوحة التي تتسع للجميع آلا وهي ساحة الوطن الذي يحميه أهله ومحبوه… والمضحوّن من اجله، لا أولئك نزلاء الفنادق في عواصم العالم الذين يبحثون عن الكرسي، وان على حساب الثوابت ودماء الناس، بعيداً عن مصالح مجموع الشعب وأهدافه الاستراتيجية، ويضعون الوطن شعباً و أرضا رهينة الارتباطات والتعهدات التي منحوها للقوى الخارجية ذات المصالح التدميرية لشعبنا وامتنا.

إن السوريين اليوم بحاجة إلى من يتحمل مسؤولية إخراجهم من الواقع الذي وصلوا إليه، وبالتالي فالخطابات عن بعد والشروط والتهديدات والمؤتمرات، جميعها تصب في خانة واحدة، هي تبديدنا وتدميُر وجودنِا، وخدمةُ مصالح أعدائنا.

أما ما يُفْشِل هذا المشروع ويسقط العدوان والمؤامرة فيتلخص بأمر واحد، ألا وهو، التوجه نحو الحوار دون شروط، فالحوار يشكل أساسا للحل السياسي ومرتكزاً للبناء من اجل حماية سورية وتجديد الحياة السياسية فيها، وكي لا يبقى الكلام شعاراً بلا مضمون فإن العناوين لهذا الحل حدَّدها الخطاب الذي ألقاه السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية في السادس من كانون الثاني 2013، ففيه مرتكزات الحل وعلى أساسه يتم البناء للذهاب نحو شراكة وطنية تتيح لجميع أبناء الشعب السوري القيام بما يمليه عليهم الواجب الوطني بدءاً بالمساهمة الفاعلة في حماية سورية ووجودها، ومن ثم في بنائها وتحصين قرارها السيادي المستقل، وحينما نقول السيادي المستقل ففي ذلك التأكيد الصريح بأن الحوار المفتوح يتسع للجميع إلاَّ أولئك الذين ارتهنوا أو التحقوا بالمشروع الخارجي ضد وطنهم، فأغمضوا عيونهم عن ما يجري من تخريب وتدمير وقتل…. وهم بذلك يكونوا قد ذهبوا في الاتجاه المعادي لبلدهم. وعلينا أن نعلم بأن الحرب الارهابية والعدوان على سورية يستهدف الجميع شعباً وارضاً وكياناً ودوراً… لذلك فمن الطبيعي أن يضع الجميع في أولياتهم حتمية المساهمة والنشاط في الدفاع عن الذات وحماية الوجود المهدد، بتجاوز الآلام من جهة والانانيات من جهة أخرى، وذلك بالذهاب والجلوس على طاولة الحوار من اجل سورية الديمقراطية المتجددة.

وبالتأكيد فإن الحوار ليس كلمة جوفاء او شعاراً آنيا ينتهي مع انتهاء أزمة ما ، أو انتهاء الأحداث التي تعيشها سورية أو المؤامرة التي تتعرض لها، بل هو حالة ثقافية مستمرة ، به نستطيع أن نحصّن وحدتنا الوطنية وأن نعيش في بلد آمن كريم وعزيز ، ننشد فيه مستقبلاً زاهراً لأبنائنا وأحفادنا، في البناء والتطور والاستقرار والرفاه .

أما الديمقراطية التي يلتف عليها البعض من خلال استهلاك شعار الحرية، وتحويله إلى حال من الفوضى انسجاماً مع مشروع الشرق الأوسط الكبير والفوضى المدّمرة ، التي أنجبت لنا مصطلح ” الربيع العربي” والذي هو في حقيقته ربيع أعداء العرب.. انما هي خدعة كبيرة ودعوة للتفكك والانحلال.

وحين نُقدِمُ على لحوار ونبحث في تأثيراته على حماية وجودنا ، فلأن الحوار هو بين البشر الذين من خلال عقولهم النيّرة يرون مصلحة بلدهم قبل مصالحهم فيتحادثون ويتحاورن للوصول إلى الأفضل ، من اجل التحصين والعزّة والكرامة والسيادة الوطنية واضعين بذلك مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

لأننا حين نُعِملُ العقل لابد أن نصل مكاناً يفهم فيه بعضُنا بعضاً على طريق قبول الأفكار و الطروحات والمواقف دون شروط، إلاّ الثوابت الوطنية التي يتفق عليها كل الناس ، باستثناء قلة قليلة استوردت افكارها التضليلية ودفعت بها إلينا عبر ماكينة إعلامية فاجرة ، وبالتأكيد فإن الثوابت ليست شروطاً بل مسلمات.

اذاً من يعملون لاجل وطنهم وحمايته وتحصينه فهم بالتأكيد متقاربون بأفكارهم حتى قبل الحوار، لكن الحوار يزيدهم تصميماً واقتراباً والسير خطوات مشتركة نحو الأهداف وتحويل الحوار إلى فعل وممارسة ،ويكّرس لاحقاً كثقافة دائمة.

الأمر الذي يفترض الايمان بالحوار المباشر لا عبر الخطب والبيانات و إطلاق النظريات عن بعد.

بمعنى أن من يريد لسورية مستقبلاً ديمقراطياً وتعددية سياسية، فليأت إلى الحوار في دمشق عاصمة التاريخ.

وأمامه الرؤى والعناوين التي أطلقها السيد الرئيس وحوّلتها الحكومة إلى مبادرة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع وبما يحفظ السيادة للدولة السورية واستقلالية القرار ووحدة الأرض والشعب ، ويقطع دابر التدخل في شؤونها الداخلية.

لقد أدركت القيادة السورية وبوعي عميق مخاطر استغلال القوى الخارجية لبعض الأفراد والجماعات، لكنها ومن موقع الأبوة والرعاية والمسؤولية تجاه أبنائها قامت بإطلاق المبادرة الحوارية ودعوة الجميع بلا استثناء إلاَّ من رهنوا أنفسهم كما أشرت سابقاً، وان ّ بقي هولاء يطلقون النار على المبادرة فإنهم بذلك يُصنَّفون في خانة أعداء الشعب ويضعون ذواتهم خارج الدائرة الوطنية.. ومن يعتبر ان في المبادرة شروطاً فإنه هو من يضع الشروط على القيادة السورية. لعرقلة الحوار و إطالة أمد الأزمة وإراقة المزيد من الدم السوري وإتاحة الفرصة للتدخل في شؤوننا الوطنية.

وعلى الجميع ان يعلم بأننا حين نشدد على السيادة فهذا ليس شرطاً.. فأن نرفض التدخل الأجنبي ليس شرطاً . وأن نحافظ على الدولة والمؤسسات، فهذا ليس شرطاً و إنما مسَّلمات في مفهوم السيادة الوطنية…

لقد انطلق الحوار من اجل تجاوز الازمة و اسقاط المؤامرة، لكن تحصين البلاد وحمايتها وتقدمها ومنعها من الوقوع في الفتنة ثانية، يحتاج إلى حوار من نوع آخر ولعله كان يستحق أن يبدأ منذ زمن، لكن “أن تصل متأخراً خير من أن لاتصل ” وهذا الحوار المتعدد هو:

1- : حوار في الأسرة ثم في المدرسة، وجميع المؤسسات التربوية.

2- : حوار في الهيئات والجمعيات.

3- : حوار في العمل من اجل حماية المنشآت وزيادة الإنتاجية وتطوير البناء.

4- : حوار في النقابات والمنظمات.

5- : حوار الأحزاب – قيادات وقواعده من ثم الأحزاب بعضها لبعض.

6- : حوار بين المعارضة والمعارضة.

7- : حوار المعارضة وأحزابها مع القوى والأحزاب السياسية التي تقود العملية السياسية في البلاد.

8- : الحوار حول أي اقتصاد نريده لبلادنا وكيف نحمي الطبقات الفقيرة ونمنعها من الانزلاق تحت تأثير الوضع المادي.

وبنتيجة جملة الحوارات نذهب إلى الحوار الأوسع الذي يؤدي بنا إلى حماية الامن الوطني لسورية ويساعد في حماية أمننا القومي العربي والذي نحن جزء منه ونستطيع ان نستنبط الكثير من المشتركات فيما بيننا بعد أن تنكسر الحواجز، وحيث الجميع حول طاولة ترتكز على قاعدة الثوابت الوطنية ، وتسمح الحديث في أي شيء للوصول إلى ما يحصّن سورية ويحمي شعبها ويحقق أمانيها ويسقط أشكال التدخل في شؤونها .

ختاماً أقول ان الحوار بحد ذاته ليس الهدف بل هو الوسيلة، وعبره يمكن الوصول إلى الصيغ القانونية والسياسية التي تؤسس للميثاق الوطني بإرادة شعبية لها ان تختار ما تشاء، ومن تشاء.

والهدف دوماً حماية الوطن و إعادة الأعمار والبناء فيه وعودة أهله إلى ربوعه وضمان تقدمه ونجاحه بمشاركة جميع أبنائه، فالوطن لا يختصره حزب أو أحزاب أو مجموعات أو جماعات.

وفي ذات الوقت لا يجب ان نسمح مهما كانت “ملاحظاتنا ودوافعنا” لأحد أن ينكر على جيشنا دوره أو تضحياته من اجل حماية أمننا الوطني وعلى شعبنا صموده وعلى السيد الرئيس بشار الأسد صواب رؤيته وصبره وحكمته لإيصال البلد إلى شاطئ الامان ، تحضيراً لمعركتنا الأساس ألا وهي معركة تحرير الجولان العزيز وحماية حقوق شعب فلسطين الصامد..

 

 

أشكركم

اخبار الاتحاد