وليد معماري
ماذا تريد من يومك وغدك؟.. هل تبتغي من الشمس أن تفرد ثوبها المزركش، وترقص في مسامات الوقت.. ومن العاشقة أن تفتح كفيها للمطر وقيثارات الجداول.. ومن الغيوم أن تغسل جفاف الريح.. ومن الطفل أن ينام في دفء الحكاية.. ومن الناس الأنقياء أن يتنفسوا ملء صدورهم عبق الصنوبر والقصيدة؟…
هو الحلم، تقول: لم تبقَ إلا شرفات الحلم.. فهاهم يصادرونك من الفجر إلى الفجر.. ويلسعون ظهرك بسياط الفجاجة.. فاركضْ.. من الصباح المرّ إلى الصباح الأمَر.. ومن الرغيف الصعب إلى تنّور بلا حطب.. من السفح إلى القمة الجرداء، حاملاً فوق كتفيك صخرة قدرك/ كما (سيزيف) الذي أغضب كبير الآلهة (زيوس) في الأسطورة الإغريقية، فعاقبه إلى الأبد بأن يحمل الصخرة إلى قمة الجبل، فإذا وصل بها، عادت وتدحرجت إلى السفح من جديد/…
تسـألني: من هم سارقو قوتك وأغنيتك وأغاريد البلبل فيك؟. مرحى لك.. ها أنت تعرفهم من أوداج منتفخة، وكروش متهدلة.. يطحنون حنطتك، ويتركون لك ضجيج الرحى لتقتات منها.. يشعلون دمك في قناديلهم، ويتهمونك بحجب النور عنهم، ثم ينادون عليك: تعال أيها المهرج.. تلفع بثوب راقصة، ومتّع ليالينا بهزات خصرك.. تفضلنا عليك بحلبة تحرك فوقها قدميك كما تشاء، وتخبئ في عتمتها شقوق كعبيك، وتزرع مواويلك فوق الجمر، وتمشي تحت أقواس أمانيك، وتتلو فيها أفكارك الحمراء العليلة…
..إنه الزمن الفج.. لا الغابة تفتح ظلالها لقبلات العاشقين، ولا المطر يغسل قروح التعب، ولا الأفق يتسع لأجنحة الفراشات.. ولا الدروب تستوعب الصفاء… وأقول: يا أميرتي.. يا سيدة الأنهار التي لا تتعب، والصفصاف الذي لا ينحني… سينجلي سواد الليل، ويأتي الفجر، والشمس، والنهار، وتنفتح بوابات العبور…
لم يقتلنا اليأس، ولن يقتلنا، لأن الصرخة قابعة في الحنجرة، والرصاصة في البندقية، والإصبع تلازم الزناد، والعزم على قارعة النصر الأكيد، وعشاق الوطن لا يُهزمون..
ويا حلوة الامتداد.. يا يمامة العمر.. هو ذا طفلك الصلب يفتح صدره العنيد للغد المأمول، وذراعيه لأناشيد النصر.. ثمة وشم على ساعده يقول: لا تسقط حيث يريدون منك السقوط.. لايزال الحب يعينك على الحياة.. ويا عصفورة الندى، ثمة كوّة مضيئة وسط العتمة.. فانفضي الغبار عن نعليك، وبوحي بأمانيك، وتعالي إلى فرح العرس، فالحياة لمن يطلبها، والراية لمن يحميها، والأرض لمن يزود عنها…
نعم… «القدر كان طيباً معي.. لم أكن مجنوناً، ولا أعمى.. سوى أني ما زلت أريد رؤية الرغيف بسعر أقل.. وحياة البشر بسعر أعلى»!… تفتح عينيك، وترسم فيهما أغنية عاشقة ترتدي الحنان.. تمد السمع إلى حفيف الكلمات.. وتركض فوق موج البحر.. تفرد دفترك للصقور وأجنحة الشهداء، وتعلن أن زمن القرنفل لم يرحل، لأن القرنفل ينبت تحت مسام جلدك، وينمو في فجاج الرئتين، ويعبق عند نهايات الأصابع والورق لتكتب عن الشعر والفرح.. وتحكي عن ملاعب الطفولة والأراجيح..عن أيام لا تصدأ، وعن وطن مكلل بالياسمين والغار.. وطن لا تدوسه سنابك البغال الهمجية، وزبانية الجحيم..
الوطن صامد.. وسورية لن تركع!..