السوريون لا يثقون بالإدارة الأمريكية، ولكنهم يثقون بالقيادة الروسية، ولاسيما الرئيس بوتين، وهذا سببه عدوانية أمريكا وتحالفها مع «إسرائيل» واستهدافها لمصالح واستقرار وأمن المنطقة العربية ولاسيما سورية، كما أن الثقة بالقيادة الروسية، نابعة من التعاون التاريخي والمجرب معها، في تقوية الشعوب والدول العربية لمواجهة المخاطر والتهديدات، وفي بناء الدول والمجتمعات وتطويرها، الثقة تولد بالتعاون والاحترام المتبادل، بينما انعدام الثقة ليس إلا نتيجة العدوان ومحاولات الهيمنة.
والسوريون الذين يحاربون الإرهاب والمؤامرة الصهيونية الغربية الخليجية، منذ سبع سنوات، يتقنون الفعل السياسي، كما يجيدون الفعالية العسكرية، وكما يتعاون السوريون مع روسيا عسكرياً في الحرب على الإرهاب، يتعاونون مع موسكو سياسياً وينسقون معها كل تحرك يتعلق بالمسار السياسي أو العسكري للحل، ولابدّ من أن الرئيس بوتين عندما قابل ترامب قبل أيام في هامبورغ، واتفق معه بشأن انضمام أمريكا إلى اتفاق (مناطق خفض التوتر) –ولو في الجنوب مبدئياً- لابدّ من أن الرئيس بوتين قبل أن يقوم بكل ذلك، قد ناقش الأمر مع القيادة السورية، ولابدّ من أن التنسيق مع الرئيس الأسد يطول كل حرف وفاصلة، وهذا ما يزيد الثقة بخطوات روسيا، وهذا ما يؤكد أن الروس والسوريين يستطيعون التعامل ولو بحذر مع أعدائهم، لتحقيق مصالح شعوبهم واستقرارها وأمنها.
من الواضح أن الرئيس بوتين، ارتكز في حواره مع ترامب، على حقيقة أن الدولة السورية برئاسة الرئيس الأسد، هي القوة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب، وقد حققت انتصارات كبيرة عليه، وأن التعاون معها ودعمها أثبت بالتجربة، أنه الطريق الأبدي للانتصار على الإرهاب، ومن قراءة نتائج لقاء بوتين بالرئيس ترامب، يتبيّن أن الرئيس الأمريكي اقتنع بمواقف بوتين، لدرجه أنه وصف اللقاء بالرئيس الروسي بـ(الرائع). كما أن ما قاله الرئيس بوتين بعد اللقاء من (أن الأمريكيين أصبحوا أكثر واقعية وبراغماتية) يدل على أنّ حقائق الواقع السوري، فرضت على الأمريكيين أن يتراجعوا –ولو مواربة- عن مواقفهم المطالبة بالتنحي، ليقبلوا بالدولة السورية ورئاستها الشرعية، كجزء من مصلحة استراتيجية تفرضها حقائق الفعل السوري، بالتعاون والحليف المبدئي روسيا.
إن قراءة عميقة وحذرة لنتائج اجتماع بوتين وترامب، تجد أن ما أعلن عن التزام الطرفين بوحدة سورية وشعبها ومؤسساتها، ما هو إلا التزام بمطلب سوري، كما أن الانخراط الأمريكي في اتفاق (مناطق خفض التوتر) هو جنوح أمريكي نحو سياسة وضعتها وأقرّتها سورية مع روسيا، والاعتراف الأمريكي ولو ضمناً بقوة وفعالية الدولة ورئيسها في الحرب على الإرهاب، هو اعتراف بشرعية شعبية للدولة والرئيس، تعمقت بالانتصارات على الإرهاب، إلى شرعية إنقاذية، تنقذ سورية والمنطقة والعالم من الإرهاب المدمر، وأهم ما في نتائج لقاء ترامب بوتين ما أعلن، عن أن اتفاق الجنوب كمنطقة خفض تصعيد، هو مقدمة لتعميمها على سورية كلها، وأن كل ذلك يسهل الحل السياسي النهائي الذي تحدّث عنه بوتين في المؤتمر الصحفي السنوي، وهو حل يقوم على حكومة وطنية ودستور جديد وانتخابات، وأعلن يومها بوتين أن الحل هذا هو سياسة اتفق عليها مع الرئيس الأسد.
ورغم كل ذلك فالسوريون حذرون، وكذلك الروس، وكلاهما يؤكدان أن (مناطق تخفيض التصعيد) هي مرحلة ممهدة للحل، وهي مرحلة مؤقتة، ويؤكد السوريون في تفصيل على أن تكون هذه المناطق مؤقتة، وتخضع لإدارة الدولة السورية، ولن تسمح سورية ولا روسيا بأن تكون المناطق أكثر من مؤقتة، كما أنه في جميع الأوقات كل مرافق سيادة الدولة، هي بيد الدولة، وهذا ما جعل اتفاق ترامب بوتين ينص على أن الحدود السورية- الأردنية ومعابرها بيد الدولة، وتشرف عليها وتديرها. ألم ينص اتفاق أستانة في بنوده الأولى على سيادة مؤسسات الجمهورية العربية السورية، أي سيادة الدولة المطلقة.
في لقاء ترامب بوتين، كان ترامب مأخوذاً بالحقائق التي يطرحها الرئيس بوتين، لذلك تجاوز الوقت المحدد للاجتماع، ويبدو أن مسؤولي المؤسسة الأمريكية تخوفوا من استمرار اللقاء وتجاوز الوقت، فدفعوا زوجة ترامب ميلانيا لأن تتدخل وتحاول أن تدفع زوجها لإنهاء الاجتماع، ولكن ترامب ظل مستغرقاً وإيجابياً مع بوتين، ولم يرد على طلب زوجته، واستمر اللقاء بعد تدخل ميلانيا لأكثر من ساعة لتصل المدة إلى ساعتين وعشر دقائق، بينما الوقت المحدد للقاء هو نصف ساعة.
إن معاناة الحرب الإرهابية، والعدوانية الأمريكية تجاه شعبنا وأمتنا، تجعلنا حتى ونحن نحقق تقدماً سياسياً مع أمريكا، حذرين، وسنظل حذرين لنحمي شعبنا ووطننا ومستقبلنا..