تبدو إسرائيل شديدة القلق على مستقبلها مع التوازنات الناتجة عن المسار الذي بات حتمياً لتطورات الوضع في سورية، وتكريس اليد العليا لمحور المقاومة وتقدم روسيا كشريك كامل وندًي لأميركا في قرارات المنطقة، كما تبدو وقد بلغت الطريق المسدود في الرهان على المزيد من القوة أو المناورة باستعمال القوة لفرض معادلات جديدة وقواعد اشتباك جديدة تحفظ لها ضوابط الأمن وضمانات الوجود، ولذلك يصير التدخل الأميركي الإسعافي على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي ضرورياً للبحث بسلة شاملة تضع «إسرائيل» خارج دائرة الخطر.
– حاول الأميركيون مع بداية عهد ترامب اختبار حدود القوة في فرض معادلات تتيح بتعاون أميركي «إسرائيلي» سعودي تركي، طرح مقايضة عنوانها، ربط المشاركة بالتسوية في سورية بإخراج حزب الله منها، وباءوا جميعاً بالفشل. وعندما لوّحوا بأخذ سورية نحو جولة مواجهة صدمتهم الوقائع بمناعة الجبهة المقابلة وقدرتها على السيطرة على الميدان، وكانت غزوة محمد بن سلمان التي شهدتها دمشق وريف حماة ساحة الإثبات، بعدما ظهرت محدودية فعالية صواريخ ترامب وغارات بنيامين نتنياهو.
– بوجود روسيا في الشرق الأوسط بقوة غير قابلة للإلغاء والتحييد، ووجود محور سورية وإيران وحزب الله الصاعد، لا يمكن لواشنطن المتمسكة بربط أي تسوية في سورية بضمان مستقبل «إسرائيل»، إلا أن تختار بين السقفين الروسي والإيراني. والسقف الروسي هو تسوية فلسطينية إسرائيلية وفق معادلة دولة على الأراضي المحتلة العام 67 يرافقها انسحاب «إسرائيلي» من الأراضي السورية واللبنانية المحتلة لتقديم ضمان دولي لأمن «إسرائيل»، وفيما يبدو الانسحاب من الأراضي السورية واللبنانية أقل صعوبة من التسليم بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 بالنسبة لـ«إسرائيل»، تبدأ واشنطن من المساعدة بترتيب الحلقة الصعبة لفتح الطريق أمام الحلقات الأقل صعوبة، والتي تعرف واشنطن وتل أبيب مترتباتها. فالانسحاب من الأراضي السورية واللبنانية يرافقه بحث مستقبل سلاح المقاومة لبنانياً، ويفتح في سورية الباب للقوى التابعة للغرب للتحرّر من امتحان وطنيتها في قضية العداء لـ«إسرائيل».
– الحلقة الصعبة هي الحلقة الفلسطينية، ولا يمكن قبول تحوّلها لهزيمة «إسرائيلية»، لذلك يجب ترتيب الأمر بطريقة تتيح تحقيق مصلحة «إسرائيل» والإيحاء بأن حلاً يقوم على بناء دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 67 على الطريق وقد بدأ فعلاً. وهذا المشروع عنوانه قبول «إسرائيلي» بمبدأ الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة العام 67 والتفاوض على هذا الأساس، مع الانسحاب الفوري من جزء هام من هذه الأراضي يتيح قيام شبه دولة، والمشروع الأميركي «الإسرائيلي» هو دولة تبدأ في غزة، تتشاركها حركة حماس مع سلطة محمود عباس، بما يمنح غزة ميزات المرفأ والمطار بإشراف تركي وانسحاب إسرائيل من الحدود مع مصر لتولي الأمن المصري مسؤولية أساسية في أمن الدويلة الناشئة، وخطط للإعمار وبدء ورشة محطات الطاقة والتنقيب عن الغاز والنفط برعاية قطرية، لتصير العناوين الجوهرية للقضية الفلسطينية بما فيها القدس وحق العودة مجرد خلافات حدودية وقانونية بين حكومتين على طاولة تفاوض.
– هذا ما بدأ وضع حجر الأساس لبنائه بالتوازي في كل من وثيقة حركة حماس السياسية وفي زيارة محمود عباس إلى واشنطن.