لم تتسع صفحات الإعلام «العربي» والمستعرب ولا فضاءات الأعراب، للتذكير ولو من باب «النميمة» بذكرى الوحدة السورية- المصرية التي مرت في صمت مريب، ومن خرج على هذا الصمت جاء من يناصبه الجفاء ويتهرب من مسؤولية النسب إليه،
وكأن ما يمت بالذاكرة إلى القومية والوحدة بات شراً مستطيراً يهدد العباد والبلاد، وينذر من يقترب من الحديث عنه – حتى لو كان مواربة – بالويل والثبور.
ليس في الأمر ما يلتبس على الفهم ونحن نرى هذا المد الهائج لاستبعاد العروبة والفكر الوحدوي من التداول، حيث الدول العربية مشغولة ببقع الصقيع المنتشرة، أو تئن تحت وطأة الفكر الظلامي القادم على أجنحة الوهابية ولبوسها التقليدي الإخوانية التي تحتفظ بإرث طويل من المواجهة الإلغائية.
لغة الثأر من القومية تتدحرج خلف كرة من المشاريع المعدة للتقسيم والمحمولة على جناحي الوهابية التكفيرية والإخوان اللتين تتبادلان التموضع على وجهي العملة الواحدة المصكوكة أميركياً وبأصابع إسرائيلية، في عملية اصطفاف سياسي ترمي بسلالها خارج السياق المتداول، وهي تُخرج ما في جوفها من خرائط تقسيم تناصب العداء للوحدة وذاكرتها.
لسنا بوارد العودة إلى المواجع العربية والأسباب والدوافع التي عصفت بالهم العربي خصوصا أن الغبار الذي أثارته المعارك العربية- العربية والأعداء الافتراضيون لم يحجب الرؤية عن موجات المد التي تعيد الاتكاء على عكازة الوجع العربي ومتاعبه المتنقلة في سلال الموت المنتظرة.
اللافت أنّ كل المفارق والاتجاهات تتقاطع على حالة التسويق لدروب الخيبة والإحساس بالعجز والتنازل عن أبسط مقومات الوجود لمصلحة الاكتساح الهمجي من قبل المال الخليجي لوجه الحياة.. وصولاً إلى زرع بؤر متنقلة من الظلامية العمياء التي تنشر ثقافة الموت والاحتضار.
في المقاربات المشبوهة التي مرت على الأمة، كان هناك تركيز على تسويق التفسيرات السطحية لظواهر الجمود وغياب الفعالية في أوصال الأمة، واستبدالها بهياكل طارئة في السياسة والإعلام، وتعميم حالة العجز المستحكم في ركائزها، ليكون جزءاً من «بروباغندا» تنفث سمومها مغلفة بأحجيات من الادعاءات الظالمة للأمة ودورها ووجودها، ورغم الإدراك بجسامة الخطر المحدق وتداعيات الخرائط الجديدة ظلت معظم القوى تتثاءب على خطوط حرب الإلغاء القائمة.
على ضفاف هذا المشهد بأجزائه السوداوية وفسحة البياض المتناثرة غرباً وشرقاً، تتشكل الظواهر البديلة لعودة اليقظة المنتظرة تجاه رمزية الوحدة، أو على الأقل الإشارة الضمنية، وهي تحتضن البدائل لتغيير وقلب احداثيات المشاريع القائمة على «تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ» من قبل المشروع التدميري بلبوسه الوهابي والإخواني.
وإذا كان الحديث عن مؤشرات الرجحان في كفة المواجهة يدخل في بوابة التفاؤل المفرط، فإن جبهات الارتداد المتشكلة في ردود الفعل و«الصحوة» المضادة تبرز في غير موقع، وهي قادرة على استنهاض عوامل التذكير دون أن تكون محرجة بحالة الإحباط المتنقلة التي تنتعش حيناً وتدخل مرحلة السبات أغلب الأحيان.
في فارق الاستشهاد بما آلت إليه الأوضاع العربية، تستحضرنا المرافعات الشهيرة التي تعيد للأمة الاتكاء على ما تحتضنه في نهاية المواجهات القائمة، ولن نكتفي بإعادة الفرز لخرائط التقسيم المؤدلج غربياً بحقن من النفعية السياسية والوظيفية، لدول وقوى ركبت موجة الشعارات، بل ستميط اللثام عمّا مارسته تحت الطاولة وفوقها من أدوار مشبوهة في تمرير مخططات الإلغاء للوجود القومي.
وفي الرمزية، يعود حديث الوحدة من الغيبوبة الطويلة إلى الحضور المدجج بعوامل النهوض التي تطلق العنان لشراعها، بدءاً من سورية وليس انتهاء بموجة تحولات، تزيل الغمامة التي حجبت الرؤية لعقود، وتعود معها ذكرى الوحدة أكثر من مجرد دلالة لما هو آت، وقد عبدت الطريق إليه إرادة الصمود السورية، رغم العواصف العاتية من جهات الأرض ورغم التغول والتوحش في الممارسة الوهابية وأذرعها التكفيرية الإرهابية.