تناولت الكثير من المواقع والصحف الاقتصادية وبعض الاقتصاديين أيضاً أن أمريكا استجابت للدعوات الدولية والمنظمات الإنسانية وأنها جمدت العقوبات على سورية مؤقتا ولمدة /180/ يوماً بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سورية فجر يوم 6/2/2023، وأن وزارة الخزانة الأمريكية ممثلة بمكتب (مراقبة الأصول الأجنبية) أصدر الوثيقة (GL23) ومع احترامي لكل الآراء لكن يجب أن نقرأ مضمون الوثيقة ونحللها ومن ثم نحدد هل هي تجميد أو تعليق أو رفع للعقوبات وخاصة عقوبات ما يدعى ( قانون قيصر )، وهذا ليس قانوناً بل إرهاب اقتصادي ( عقوبات وحصار ) اقتصاديين جائرين مفروضين من طرف واحد ومخالفين للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، وهو استمرار للعقوبات السابقة منذ سبعينيات القرن الماضي، وهذه العقوبات مهما اختلفت تسمياتها إلا أن جوهرها واحد وهو ممارسة كل الضغوط على سورية، وهل هذه الوثيقة الاقتصادية هي حلقة من حلقات الضغط وأنها لخديعة الآخرين وأنها فقط دورت الزوايا ضمن دائرة الإرهاب الاقتصادي بما يشبه طريقتها الهوليودية، أي إن المساعدات الأمريكية أشبه بالسراب وكما قال تعالى سورة (النور) الآية /39/ (والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) وأنهم يمارسون كل أنواع المكر وكما ورد في الإنجيل (اطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ” (رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 1)، أم أن الإدارة الأمريكية غيّرت سياستها الاقتصادية بعد الزلزال المدمّر استجابة للمناشدات الدولية والشعبية؟، وللتأكد من ذلك لا بد من تحليل جوهر الوثيقة المذكورة والمدعوة (General License23 ) والمعروفة اختصارا ( G L23) والمتضمنة حرفيا: [ الإعلان عن تعليق الحظر على بعض المعاملات المتعلقة بسورية حتى تاريخ ظهر 8/8/2023 أي إنها مؤقتة لمدة /180/ يوماً، والسماح بدخول وخروج الأموال من وإلى سورية لأهداف الإغاثة المتعلقة بالزلزال تحديداً وليس لأي غرض آخر، وإبعاد الدولة السورية أو مؤسساتها في الداخل والخارج وبنكها المركزي، وعدم إعفاء أي شخص من الامتثال للقانون الأمريكي الفيدرالي إذا لم يلتزم بذلك، حيث إن أمريكا ستقدم المساعدات عن طريق حلفائها وشركائها والمنظمات غبر الحكومية والدولية، وإنها تثبت الحظر على استيراد النفط السوري ومشتقاته إلى أمريكا إلا بتصريح خاص بموجب البند 5420208/ من أنظمة العقوبات على سورية ] انتهى الاقتباس من الوثيقة.
وهنا نسأل من يسرق الموارد السورية وخاصة النفط السوري من الجزيرة السورية والتي يوجد فيها أكثر من /90%/ من النفط ويسرق الموارد الأخرى وخاصة الحبوب ومصادر الثروة وفيها أكثر من /60%/ من الثروة السورية، ويباع البرميل الواحد من النفط السوري المسروق بحدود /25/ دولاراً وسعره في السوق العالمية أكثر من /75/ دولاراً ؟، ولماذا اشترطت الوثيقة أن تقديم المساعدات سيتم من خلال حلفاء وأصدقاء أمريكا ؟!، ألم تثبت ( الدولة السورية ) ممثلة بقيادتها وحكومتها وشعبها وجيشها ومنظماتها وكل مكوناتها بأنها تعمل كخلية نحل لمواجهة تداعيات الزلزال، كما أكدّت المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة المتواجدة على الأرض السورية تعاونها مع الحكومة السورية أيضاً، وأيضا أرسلت سورية المساعدات إلى كل المناطق حتى التي يسيطر عليها الإرهابيون وطالبت بفتح المعابر انطلاقاً من أن سورية لكل السوريين، و لو كانت أمريكا جادة لرفعت العقوبات مباشرة واستجابت لنداء السوريين والمنظمات الدولية ودعوة الأمم المتحدة وأغلبية المجتمع البشري أليس من الأولى عليها رفع يدها عن مقومات معيشة السوريين، ما سبق يتبين لنا نفاقها الاقتصادي المتمم لنفاقها السياسي، وإذا كانت أمريكا تطالب بإزالة أو استقالة أنظمة لا ترغب بها فإننا نقول إن الشعوب هي التي تختار أنظمتها وليست الدكتاتورية الأمريكية، بل يتأكد يومياً أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها هم مع ترسيخ سياسة (القهر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي وغيرها )، فهل تسعى السياسة الأمريكية للقضاء على أغلب سكان العالم من خلال ( الحروب والأوبئة والمجاعات والصراعات و…الخ ) للوصول إلى ( المليار الذهبي) لسكان العالم كما قال الرئيس (فلاديمير بوتين)؟
أغلب المواقف الأمريكية الاستغلالية تنطلق من مرجعيتها الفكرية المتجسدة في إحياء نظرية (توماس مالتوس Thomas Malthus 1766- 1834 ) والتي تؤكد أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما يزيد الإِنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية وهذا سيؤدي حتماً إلى نقص الغذاء والسكن، ويضيف أن الرجل الذي ليس له من يعيله والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيباً من الغذاء على أرضه فهو عضو زائد في (وليمة الطبيعة)، حيث لا صحن له بين الصحون فإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن. هذا هو جوهر المبادرة الأمريكية وبالتالي لا يجوز المراهنة على المواقف الأمريكية وأغلب مصائب دول العالم تكمن في سياستها المعتمدة على تمركز رأس المال فيها وتعميم الفقر في دول العالم من باب ( أمريكا أولاً ) والدليل أنها تجمع كل تناقضات مضمون المؤشرات الاقتصادية فهي الاقتصاد الأول في العالم وأكبر دولة مدينة في العالم أيضاً واستهلاكها ومستورداتها وسفاراتها وقواعدها العسكرية خارج حدودها الأكبر في العالم، ولم تتورع عن إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية…إلخ، فهل مثل هذه الدولة يحق لها أن تتكلم بالمواقف الإنسانية؟، وقناعتنا أن أعمالها القادمة أفظع وخاصة مع ظهور معالم تغير النظام العالمي وظهور قوى منافسة لها ودوام الحال من المحال، وأن أمريكا بسيطرتها مع عملائها على الموارد السورية بقوتها تمارس كل أنواع الشرور العالمية وكما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ( أكبر الأوزار تذكية الأشرار) وستتجاوز سورية تداعيات هذا الزلزال ورغبات الأشرار كما تجاوزت تداعيات الزلازل السابقة.