عباس ضاهر:
ليست العمليات الارهابية التي استهدفت الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الاولى من نوعها. سبق وان تحركت مجموعات اسلامية متشددة وخاضت مواجهات مباشرة مع السلطات الايرانية، ونفّذت عمليات انتحارية في مناطق قرب الحدود الباكستانية والحدود مع العراق. الجديد هو في نوعية الاهداف وقدرة الارهابيين على الوصول الى قلب طهران، أي مجلس الشورى، خلال انعقاد جلسة مباشرة، ثم مرقد الامام الخميني جنوب العاصمة الايرانية. في الدلالات الرمزية، الوصول الى رأس الهرم السياسي المؤسساتي في طهران، ورأس الهرم الديني للثورة الاسلامية الايرانية.
تنظيم “داعش” تبنى العملية المزدوجة فورا قبل الاعلان عن اعادة طهران الامان للامكنة التي وصل اليها المسلحون والانتحاريون. هنا يمكن الاستناد الى فرضيات عدة حول توقيت العملية الارهابية في العاصمة الايرانية، وحول قدرة “داعش” على الوصول الى العمق الايراني.
تأتي المواجهة الآن في ظل الكباش الحاصل حول قطر، بين تيارين: الأول تقوده الرياض، والثاني تقوده انقره، فيما تنحاز طهران الى جانب المحور الثاني، الى درجة تسويق السعوديين أن قطر تنفذ سياسة ايرانية، فيما الانباء توالت عن استعداد طهران لتزويد القطريين بالمواد الغذائية واجهاض الحصار الذي تنفذه دول المحور الاول على الدوحة. هناك من يتحدث عن نظرية “استهداف ايران الآن لوقوفها الى جانب قطر”، يستند هؤلاء في تحليلاتهم الى تهديد المحور الاول بنقل المعركة الى داخل طهران. لكن في الامر تبسيطا، خصوصا ان “داعش” هو من نفذ العملية المزدوجة في طهران.
بالمقابل، يتحدث آخرون عن اسباب أخرى، يستندون فيها الى تخبط “داعش” في سوريا والعراق بفعل الدور الايراني العسكري الميداني في الموصل تحديدا الذي يؤدي الى انهيار منظومة “الدواعش”. يقولون أن “داعش” الذي كان ترجم مبدأ “التمكين” في سوريا والعراق بعد قاعدة “كسر الشوكة”، عاد الى اسلوب النكاية الذي يترجمه الآن بشن عمليات ارهابية انتحارية في ساحات اعدائه. هذا يؤكد فشل “داعش” في تحقيق “التمكين” اي الخطوة التي تتيح له بسط السيطرة في ساحات القتال والتمدد، وفق شعار التنظيم: “دولة الخلافة باقية وتتمدد”. لم يعد التمدد ممكنا لا في العراق ولا في سوريا، وتتعرض “دولة داعش” للانهيارات السريعة التي ستظهر بشكل واضح بين الحدود العراقية – السورية. علما ان الاميركيين يستهدفون “الدواعش” في الرقة بشكل عنيف، ما يعني أن “داعش” باتت أمام حقيقة الهزيمة.
أتى هذا العمل الارهابي المزدوج في ايران ليبث المعنويات في صفوف التنظيم، وليعيد التذكير أن المعركة قائمة على اساس التكفير. هنا يحاكي “الدواعش” مجموعات تنتمي لهم في دول الخليج، لاعادة الزخم الى نشاطهم في مواجهة الدعاية التي تستهدفهم من قبل الدول الخليجية، خصوصا بعد قمة الرياض.
الأهم أن الجمهورية الاسلامية الايرانية هي دولة مستهدفة من قبل الارهابيين. لم يقتنع كل العالم بالنظريات الخليجية والاميركية والاسرائيلية بأن طهران ارهابية. يأتي التصويب على ايران ليؤكد انها دولة مستهدفة من قبل “داعش” ومجموعات متشددة تخوض معها السلطات الايرانية حروبا مفتوحة من داخل حدود الجمهورية الاسلامية الى العراق وسوريا بشكل مباشر، فيما الحرب غير المباشرة تمتد الى مساحات مصالح الايرانيين، وحيث يتواجد حلفاؤهم.
لا يمكن لأي عاصمة عربية او غربية مساواة ايران بالمجموعات الارهابية، فهي التي تدفع الاثمان في مواجهتهم بشريا و ماديا وسياسيا ومعنويا. ولا يمكن التفوق على الارهاب من دون تنسيق الادوار والتكامل مع ايران. تجربة العراق اكبر دليل اليوم. لكن الضغوط الاسرائيلية على واشنطن تمنع تكرار التعاون الاميركي – الايراني غير المباشر الحاصل في العراق الآن في سوريا أو المنطقة، لا بل ان تل ابيب تخشى من تمدد النفوذ والسيطرة الايرانية عبر ممر آمن يفرضه حلفاء ايران من اراضي الجمهورية الاسلامية الى العراق فسوريا. الممر سيكون آمنا بعد بضعة اسابيع، في حال استمر التقدم الميداني العراقي – السوري وكسر “داعش”. لكن الاميركيين يرسمون خطوطا حمراء على الارض، كما بدا في استهداف الجيش السوري قبل اقترابه من معبر “التنف” الحدودي. لا يريد الاميركيون أن يكمل الممر طريقه نحو دمشق.ما يزعج حلفاء واشنطن أن الدوحة القطرية التي تملك نفوذا واسعا الى جانب تركيا على “جبهة النصرة” أقامت تسويات مع الايرانيين تجسّدت بانسحابات مسلحين من ارياف سورية عدة نحو ادلب. هذا عامل اضافي للأزمة الخليجية القائمة الآن. هذه الانسحابات أراحت السوريين والروس والايرانيين الذين تفرغوا لقتال ارهابيين في جبهات أخرى، منها جبهة الجنوب التي تقع على تماس مع الاردن واسرائيل.