الغرب كعمق!!
علي نصر الله
ما الذي تضيفه الزيارات الاستعراضية إلى كييف، تلك التي قام بها بوريس جونسون، جوزيف بوريل، اورسولا فون ديرلاين؟ وما الذي يراد قوله من خلالها؟
هل يتجه الناتو بالقيادة الأميركية لتأكيد أن الغرب عمق لأوكرانيا، أم هو ظهير قوي لها لن يتخلى عنها؟ أم يراد إثبات أن الأهداف الروسية لن يسمح بتحقيقها، بمقابل تحقيق الأهداف الأطلسية المعلنة؟.
في الواقع، إن كلّ ما تقدّم هو معتمل في رسائل الزيارات الغربية لكييف التي قد تتكثف بطلب أميركي، بل إن الغرب ربما يريد أن يثبت أنه لم يهزم ولن يهزم أمام روسيا، وأن التوسع شرقاً سيستمر حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة مباشرة امتنع عن خوضها حتى الآن.
الولايات المتحدة هي صاحبة الكلمة التي يلتحق بها الغربيون، وقد أعلنت أن الهدف هو إنهاك الاقتصاد الروسي، ما يعني أن الهدف المرحلي استنزاف موسكو، إضعافها بالعقوبات والعزل. وقبل أن يتقرر اللاحق في تسعير المواجهة لابدّ من ترتيب المسرح الدولي بما يخدم الغرب وواشنطن، وإن ما جرى في باكستان لا ينفصل عن هذا السياق، بل إن الخروج من أفغانستان كان نقطة البداية في مخطط استهداف روسيا.
لا يغيب ذلك عن موسكو، بل إن ما كشفته حتى الآن من أن أوكرانيا كانت ستبدأ استفزازات تشعل الحرب حتى لو لم تبدأ العملية العسكرية الروسية الخاصة في دونباس، إضافة إلى ما تمّ الكشف عنه لجهة تورط كييف بالأنشطة البيولوجية الأميركية، الكشف الروسي هذا بذاته يعد إحباطاً لمخطط جهنمي، ويؤكد أن ما بدأته موسكو بتدخلها لن تنهيه قبل نزع سلاح كييف، وفرض الحيادية عليها، ذلك بضمانات غربية أميركية أطلسية مكتوبة.
أما أن تعلن واشنطن والغرب عزمهما على زيادة تكاليف الحرب على روسيا ومنعها من تحقيق أي مكتسبات أو أهداف، فهو الأمر غير الواقعي على الأقل لجهة المنع، ذلك أن التكاليف إذا كانت ستزداد على روسيا فإنها ازدادت وتضاعفت على الغرب الذي يطرح نفسه عمقاً لأوكرانيا، وستتضاعف لعدة أمثال لن يتحملها الغرب مع استمرار الحرب وانسداد أفق المسار التفاوضي والتهدئة.
حزم العقوبات الاقتصادية الهمجية المتتالي فرضها ضد روسيا، وحزم المساعدات المعلنة، العسكرية التسليحية والاقتصادية لأوكرانيا، قد تنجح في إطالة أمد النزاع، لكنّها لن تنجح بتغيير الحالة والمسار، سواء ارتفعت سخونة التهديدات أم بلغت مستويات أخرى غير مسبوقة.
إذا كانت الولايات المتحدة مندفعة ترفض ابتلاع أو تجرع مرارة هزيمة ثقيلة إضافية على وشك أن تقع، فعلى لندن أن تهدأ، وكذلك وارسو وكلّ الصغار المتضخمين بلا معنى! كما على المتوهمين الذين يوافقون واشنطن بمسعى فصل الغرب عن مصادر الطاقة الروسية أن يعيدوا حساباتهم ويتفقدوا أسواقهم ومزاج الشارع الذي يغلي في عواصمهم قبل تفقد قدرتهم على امتصاص الصدمات الاقتصادية والتخفيف منها.
التبعات الاقتصادية الحالية التي أصابت اقتصاديات الغرب – العمق الهش – لن تبقى الخسائر التي تكبدتها في حدود الحاصل، خصوصاً أن الحماية التي كان ينفخ فيها انكشفت وكشفت هذا العمق الذي يترتب عليه الآن أن ينشغل بإحصاء خسائره، لا بخطط أميركية متهورة، غير واقعية، وأنانية، وعلى الأقل عليه أن يسأل ذاته ككتلة واحدة: لماذا غادرت واشنطن كابول حتى دون أن تخبر أحداً فيه.
معاً على الطريق -علي نصر الله